المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري في مهمة غير مستحيلة
بقلم/ ياسين عبد القادر الزوي
كلفت السيدة خوري بطريقة غير مباشرة من الأمين العام للأمم المتحدة عوضًا عن مجلس الأمن الدولي لتسيير مهام البعثة الأمنية خلفًا للمبعوث الأممي والدبلوماسي السنغالي العتيد عبدالله باثيلي.
وقد أحدث تكليف السيدة خوري كثيرًا من الأصداء والتعليقات بين بعض الدول الرافضة لهذا السلوك، وتعتبره محاباة للطرف الأمريكي من قبل الأمين العام، وأطراف أخرى تشكك في نوايا هذا التكليف، وبدأت تستعجل من الأمين العام ترشيح مبعوث جديد وتقديمه لمجلس الأمن. ووصل الأمر بأن أصبح تمديد الولاية القانونية للبعثة الأممية قضية معقدة في مجلس الأمن تحتاج إلى تسويات في الكواليس، مما يدل على مستوى التعقيد وتداخل المصالح في أهم المؤسسات الدولية “الأمم المتحدة” و”مجلس الأمن الدولي”!
لقد كتبت سابقًا مقالًا عن المبعوث الأممي السابق عبدالله باثيلي بعد تكليفه بأسابيع قليلة، وصفت فيه مهمته بأنها الأصعب في حياته، حيث بدأ الرجل متحمسًا للغاية لتنفيذ هذه المهمة الدولية، وكان على إلمام كافٍ بكل تفاصيل الأزمة الليبية وتعقيداتها، وقدّم بعض الأفكار والمبادرات لتجاوز الوضع القائم، وفي أولى محطات مهمته في فبراير عام 23 في اجتماعات مجموعة 3+2+2 في واشنطن سمع كلامًا مباشرًا من أحد الأطراف الإقليمية المهمة بأنه يعمل ضد مصالحهم، وأن ما يطرحه ليس مقبولًا نهائيًّا، وسمع لغةً أقرب إلى التهديد، وسمع نفس الكلام من طرف إقليمي آخر، فلم يكن أمامه من حل إلا الشكوى لمن يملكون العصا الغليظة في أمريكا، فسمع كلامًا من الأمريكان فيه كثير من الدبلوماسية، وطالبوه بالمرونة وزيادة التواصل، وهذه أطراف مهمة نتقاطع معها في مصالح مهمة حاليًا، وصلت الرسالة لباثيلي وفهم أنه لا رغبة حاليًا لتحقيق تقدم مثلما يطمح إليه، بدأ بعدها الرجل في سكون إلى أن خرج من البعثة الأممية باستقالة شخصية منه تاركًا مبادرته لجمع الأطراف الرئيسية في أدراج البعثة الأممية!
أردت الاستدلال بهذه الحادثة حتى أوضِّح جوانب من التعقيدات التي تواجه من يقومون على مثل هذه المهام.
لقد قابلت السيدة خوري لقاء مصادفة وحيدًا في الثلث الثاني من يونيو الماضي في تونس، تقدمت نحوها بعد أن تأكدت من شخصيتها رحبت بها وباركت لها بهذه المهمة الجديدة وثقة الأمين العام، وقدمت لها نفسي وبدأت في حديث مقتضب وجدتها تنصت باهتمام وتعطي مساحة لزيادة التواصل، ومن تقاليد لقاء الصدفة ألا يتجاوز دقائق معدودة، فأخذنا النقاش لقرابة النصف ساعة. واتضح لي أنها سيدة ذكية وواثقة من نفسها تمامًا، وقلت لها كتبت مقالًا عن زميلك السابق وسوف أكتب عنك مقالًا فرحبت بالفكرة!
لقد كانت فكرة كتابة مقال عنها تراودني منذ وقت، وخزنتُ عنوان المقال في ذاكرتي، لكني كنت أراقب المشهد وأتابع خطواتها وما تقوم به والظروف المحيطة بعملها وما يمكن أن تقدمه!
مما لا شك فيه أن الأشهر الماضية حملت الكثير من الأحداث والتطورات داخل ليبيا وخارجها، وتجلَّى للكثيرين أن حالة الجمود السياسي لم تعد محتملة.
وأن عدم وجود رؤية دولية واضحة تدعم أفكار البعثة الأممية لتحقيق اختراقات في العملية السياسية وإنهاء حالة الجمود التي تجاوزت المعقول.. كلها أمور جدية لا بد من تجاوزها لعمل جهد ملموس لحلحلة الأزمة!
وبدأ مسلسل الاتهامات والمزايدات في مجلس الأمن في جلسات الإحاطة، وبات متسمًا بالملل، ما قدّم صورة سلبية عن مجلس الأمن.
كما ظهر للكثيرين أن الأطراف الداخلية غير قادرة على تقديم رؤية محل توافق كبير، كما باتت السمة الأبرز هي المناكفات والمزايدات بين هذا الطرف وذاك، وتفاقم الوضع وأبرز الحاجة الماسة إلى تدخل دولي حقيقي لحسم النقاط الخلافية بين فرقاء المشهد الليبي.
كما أبانت أزمة مصرف ليبيا المركزي في الأشهر الماضية مستوى التباينات بين الأطراف، ومسَّت الأزمة أهم مؤسسة مالية ليبية لأول مرة، ما جعل من تدخل البعثة الأممية أمرًا ضروريًّا لخلق أكبر قدر من التوافق البيني، وحققت السيدة خوري مكسبًا مهمًّا من خلال إدارتها الجيدة لهذه الأزمة، وأضافت به نقاطًا مهمة إلى رصيدها السابق.
ولم يكن تحقيق توافق أو تشكيل إطار عام يساعد على تحقيق اختراق في العملية السياسية أمرًا اعتياديًّا، فالمصالح بين معظم الدول متضاربة ومتداخلة ومسألة إيجاد قاسم مشترك بينهم جميعًا ليست بالأمر الهيّن، خصوصًا ما يتعلق بالسلطة التنفيذية والنفط ومستقبل البلد وموقعه من التقاطعات الإقليمية والدولية القادمة.
إن بقاء الوضع الحالي بهذا الشكل وفشل معظم مبادرات الأطراف الداخلية خصوصًا مسار مجلسي النواب والدولة الذي كان يمكن أن يشكل أرضية يمكن دعمها والبناء عليها جعل البحث عن إطار لتفعيل العملية السياسية ذا أولوية خصوصًا للدول الغربية التي لا تنظر إلى التغيير الذي حصل في أمريكا بأنه قد يكون عاملًا إيجابيًّا.
ومنذ منتصف نوفمبر الماضي حصلت العديد من اللقاءات هنا وهناك، والأهم فيها غير معلن، ووضعت تصورات وأفكار لتحقيق نتائج حقيقية في العملية السياسية قد يشمل السلطة التنفيذية ومشروع الانتخابات التوافقية.
وبدأت السيدة خوري خطوات متسارعة لتنفيذ هذه الأجندة التي تتسابق فيها مع الزمن ولم يتبق أمامها إلا أيام قليلة تعلن فيها عن مشروعها بشكل واضح لا لبس فيه.
ومن المؤكد أن هذا الاختراق في العملية السياسية إن حصل بمثل ما هو مخطط له، فإنه سوف يعيد رسم التوازنات السياسية لمختلف الأطراف وظهور مشهد جديد مع بدايات العام القادم. فهل تنجح خوري فيما فشل فيه سلفها باثيلي.. الأيام والأسابيع القادمة حبلى بالإجابة.. وغدًا لناظره قريب!