وما أدراك ما القاعدة؟
بقلم/ مصطفى الزائدي
القاعدة المنظمة الإرهابية التي أنشأتها الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي، ومولتها ودربتها وسلحتها لمواجهة القوات السوفيتية في أفغانستان، تطل برأسها من جديد من إدلب وحلب.
القاعدة التي اتخذت مسميات متعددة، منها الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” ومجالس الشورى الوطنية، ومنظمات المجاهدين وما إليها، وادعت أنها تقاتل في سبيل شرع الله، وتواجه الكفر والملحدين وأنظمة الطواغيت، ولم تكن تلك الدعايات إلا كذبًا وبهتانًا، الحقيقة أن القاعدة وجَّهت بنادقها الصهيونية إلى الأنظمة الوطنية، وعاثت في الوطن العربي كله تقتيلًا وتدميرًا وفسادًا وإفسادًا، وقدمت نموذجًا بشعًا لتشويه الدين الإسلامي الحنيف.
ومن الأهداف الرئيسية التي رسمت لها تعطيل حركة النهوض والتطور في الوطن العربي التي تتطلب الأمن والاستقرار، وذلك بإشاعة الفوضى، كما استُخدمت كسلاح لمواجهة القوى التي تتصدى للاحتلال الصهيوني والأمريكي، فبعد احتلال العراق وظهور حركات جادة للمقاومة لمواجهته من كل العراقيين من كل طوائفهم وإثنياتهم، خرجت داعش من المعسكرات الأمريكية لكي تواجه حركة المقاومة المتنامية وتقضي عليها من خلال أساليب جديدة تعتمد على مزيج من المزايدة ونشر الفوضى وخلق النعرات المذهبية والإثنية.
نجحت داعش في العراق بدعم أمريكي وصهيوني واضح في احتلال شمال العراق كله، واتخذت الموصل عاصمة لها، وحاولت تجسيد نماذج تشويه الإسلام التي حاول المستشرقون نشرها في القرون الماضية، بممارسة القتل الوحشي والسبي واستعباد النساء وممارسة الجنس تحت تسمية جهاد النكاح وتجارة البشر إلى آخر ما أباحوه وأشاعوه، وحاشا الإسلام من كل تلك الممارسات المنسوبة زورًا للمسلمين، لكن العراقيين حشدوا قوة كبيرة لمواجهة داعش ودحروها وقضوا على المجموعات الإرهابية وطهروا العراق من رجسها، وعندها تدخل الأمريكيون رياء في إطار ما سموه التحالف الدولي لمحاربتها وكعادتهم ادعوا أنهم قتلوا قادتها، وفي نفس الوقت مكنوا مجموعات القاعدة الأخرى من السيطرة على شمال سوريا ودعمتهم عسكريًّا وماديًّا.
ما قامت به القاعدة في الجزائر وليبيا ومصر واليمن من عمليات إرهابية إجرامية لا ينسى، والهدف منها زعزعة استقرار الدول الوطنية.
قد يسأل سائل ما الجديد في الموضوع؟
الجديد في الموضوع أنه بينما يقوم العدو الصهيوني المدعوم أمريكيًّا سياسيًّا وعسكريًّا بإبادة الفلسطينيين في غزة وتدمير لبنان، ويعلن جهارًا نهارًا حربًا وحشية تستمر لأربعة عشر شهرًا على المجموعات الإسلامية الشيعية أساسًا في لبنان والسنية في فلسطين، تقوم القاعدة بشن هجوم مخطط له أمريكيًّا صهيونيًّا وممولًا منهم على حلب، بهدف واضح هو خلق صراع مسلح في سوريا يمنح الصهاينة عدة مزايا، أولها التدخل المباشر في سوريا وثانيها إقامة سلطة عميلة لهم بها تحاصر حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين وتحد من إمكانيات إيران من التواصل مع الشام بشكل عام الذي قد شكل تهديدًا للكيان الصهيوني.
ونتيجة لحالة الوهن العربي والتشويش الفكري لم يعد الغرب يهتم بحبْك السيناريوهات ولا يهتم بأن تكون مقبولة أو غير واقعية، فإن العملية العسكرية التي شنتها القاعدة في شمال غرب سوريا الأربعاء الماضي تمت بعد دقائق فقط من وقف إطلاق النار في لبنان ربما لتجنب ازدياد الضغوط على دولة الكيان للدخول في صفقة مع كتائب القسام والجهاد الإسلامي، ولتوسيع دائرة الحرب تدريجيًّا في إطار مخطط واضح لكسر القوة الإيرانية وإشغال روسيا في جبهة جنوبية حيوية لها،
هذا ليس تخمينًا ولا تحليلًا، بل وضعًا تؤكده الوقائع على الأرض وتبينه تصريحات وزير الخارجية التركي السبت الماضي الذي قال إنه لا يمكن للمجموعات المسلحة في شمال سوريا أن تستمر ثلاثة أيام دون دعم قوي من أمريكا ولا يمكنها أن تُقدِم على أي عمل دون ترتيب ودعم واضح وكبير من الولايات المتحدة.
عند الحديث عن دور الولايات المتحدة في سوريا ففي الواقع هو دور دولة الكيان الصهيوني قولًا واحدًا، فقيادة القاعدة في سوريا تابعة علنا لدولة الكيان، وعندما أصيب الإرهابي أبو محمد الجولاني زعيم ما يسمى هيئة تحرير الشام في سوريا في السنوات الماضية، نقل إلى الأراضي المحتلة حيث تلقى علاجًا وأعيد إلى ساحة المعركة.
رسالتي إلى الإخوة في المجموعات الإسلامية في ليبيا التي ارتبطت في وقت ما وبشكل ما مع القاعدة، وأيًّا كانت وجهات نظرنا حولها وتقييمنا لها وخاصة الجماعة الليبية المقاتلة التي تلعب دورًا كبيرًا فيما يجري في الغرب الليبي، فهي مطالبة اليوم بأن توضح موقفها حول ما يجري في سوريا، وهل المعركة في سوريا اليوم وفي هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الصراع العربي الصهيوني معركة مشروعة بأي قدر وفي أي طار ديني أو وطني أم أنها تشكل فقط دعمًا للمجهود الحربي الصهيوني وضد مجهودات المقاومة الوطنية في فلسطين ولبنان؟
إذا وجدوا مبررات لما قاموا به في الماضي تحت تأثير الدعاية الغربية المركزة، والدقة في تزوير الشعارات الإسلامية، فعليهم تبيان موقفهم الآن لإزالة اللبس حول صدقية أقوالهم وأفعالهم، فلو كانت القاعدة بمسمى أحرار الشام صادقة في ادعاءاتها وشعاراتها لأرسلت هؤلاء الآلاف المدججين للقتال في فلسطين وليس إلى حلب!