غرناطة أخرى
بقلم/ ناجي إبراهيم
بعد أن فشل المشروع الاستعماري الصهيوني في العبور عبر البوابة اللبنانية الغزاوية، يجري هذه الأيام وبضراوة استخدام البوابة السورية عبر تحريك أذرع المخابرات الأمريكية في إدلب والشمال السوري لتحقيق ما فشل فيه (نتنياهو) عبر البوابة الجنوبية، هزم المشروع جنوبًا أمام صمود المقاومة اللبنانية، لكنه لم يتراجع، وما يجري في الشمال السوري كان متوقعًا وكان ضمن خطة الإمبريالية الأمريكية الساعية إلى رسم خرائط جديدة للمنطقة، ولم يختلف عن الأهداف التي وضعها الكيان الصهيوني بالمشاركة مع الإدارة الأمريكية وبدعم ومباركة فرنسية بريطانية عندما بدأ عدوانه على غزة ولبنان، الجديد في جغرافيا الحرب التي تجري اليوم في الشمال السوري هي لا تشكل خطرًا على المدن والمستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة وضحاياها من الطرفين سوريون والخراب لن يطال المدن داخل الأرض المحتلة بفلسطين بل ستتحمله مدن سورية.
المعارك التي تخوضها جماعة النصرة في شمال سوريا التي اندلعت في أول أيام الهدنة على الجبهة اللبنانية تؤكد مضي (نتنياهو) في تنفيذ مشروعه في الشرق الأوسط بمشاركة أمريكية على الرغم من أن الكيان الصهيوني جزء من المشروع الغربي في المنطقة ويشكل رأس حربته وأداته العسكرية إلا أن بعض الأطراف الإعلامية والسياسية وبخاصة في منطقتنا تحاول أن تعطي عناوين مختلفة لا تعكس حقيقة المشروع الذي انطلق مع الحقبة الاستعمارية مع بدايات القرن التاسع عشر الذي شمل جغرافيا العالم وكانت منطقتنا هي قلب هذا المشروع لأسباب معلومة ومعروفة للجميع، وكانت (إسرائيل) إحدى أدوات الحفاظ على المصالح الاستعمارية التي تحققت في اتفاق سايكس بيكو الذي يواجه تهديدا من بعض قوى المقاومة والدعوات القومية الوحدوية لإعادة رسم خارطة منطقتنا العربية بما يقوض المشروع الاستعماري الذي تجسد في سايكس بيكو.
ما يحدث منذ ما يسمى (الربيع العربي) هو إعادة لرسم خرائط أخرى ترسخ (سايكس بيكو) وتفكيك المنطقة وإعادة تركيبها بما يحمي التواجد والمصالح الغربية الاستعمارية والإجهاز على أي مقاومة لهذا المشروع وتصفيتها وضرب أي حلم في غد ينهي هذه الأوضاع التي أضرت بمصالحنا ومزقت نسيجنا الاجتماعي وحرمت شعوبنا من الاستفادة من مواردها وثرواتها.
شراسة العدوان وحجمه الذي يتعرض له الشمال السوري يعكس الحقد الاستعماري على منطقتنا من ناحية ويعكس حجم الهزيمة التي لحقت بالعدو الصهيوني في الجنوب اللبناني الذي كان -وحسب ما أعلن عنه قادته- يستهدف القضاء على سلاح المقاومة وتفكيكها والذهاب إلى بناء شرق أوسط جديد كما أعلنت عنه (كونداليزا رايس)، لا وجود فيه لكيانات اجتماعية أو سياسية ترفض تواجد دولة الكيان الصهيوني، وضرب أي مشروع مقاوم لهذا الوجود المتناقض مع كل القوانين الطبيعة، وما لم يعلن عنه الغرب من ملامح ومكونات وخريطة الشرق الأوسط الذي جاء تنفيذًا للملاحق السرية لسايكس بيكو وتعديلا له هو نقل سكان الضفة الغربية إلى شرق الأردن وسكان غزة إلى شمال سيناء، هذا إذا تجاهلنا الخرائط التي طرحها نتنياهو لدولة (إسرائيل) التي تضم لبنان وسوريا وغرب العراق وشمال الجزيرة ليشمل يثرب، وشرق النيل ليس أمام هذا المشروع من عوائق إلا بعض جيوب المقاومة في فلسطين المحتلة ولبنان والتي يجري الحرب عليها لفتح الطريق أمام المشروع الاستعماري، وربما قد نجد حلم نتنياهو واقعا كما نعيش واقع خروجنا من غرناطة ولن يكون بعيدا في ظل ضعف عربي، بل تواطؤ عربي رسمي.
لا يوجد مشروع يستطيع هزيمة المشروع الاستعماري غير مشروع المقاومة، وأثبتت المقاومة في فلسطين ولبنان قدرتها رغم تواضع الإمكانات واختلال التوازن التسليحي بينها وبين العدو على هزيمة المشروع الشرق أوسطي وعلى أقل تقدير تعطيله، وبذلك ندعو جماهير أمتنا وهي تتعرض لحرب إبادة وتطهير عرقي يستهدف وجودنا الحضاري والمادي إلى التمسك بخيار المقاومة، وهو طوق النجاة الوحيد أمام تسونامي استعماري يزحف إلى اقتلاعنا ولن يرحمنا ما وجد فينا ضعفًا أو استكانة، والمعركة التي تدور في فلسطين ولبنان بأحدث الأسلحة والأكثر فتكا وتدميرا من أجل تركعينا وإخضاعنا تدور معارك أخرى لا تقل خطورة بأقل سخونة وبآليات ناعمة في كل الساحة العربية من المغرب حتى البصرة فهم جادون في السيطرة على منطقتنا وثرواتنا والسطو على حقوق شعوبنا سلما أو حربا، فإذا اخترنا الأولى نكون قد خفضنا التكلفة التي يجب أن يدفعها الغزاة وإذا واجهناهم بالسلاح إذا لم نحقق النصر فإننا نعطل زحفهم وعلى أقل تقدير نرفع تكلفته لعل الله حينها يحدث أمرا.