مقالات الرأي

الجنائية الدولية.. نظرة سريعة 

بقلم/ عبدالمجيد قاسم

استقبل العديد من المهتمين خبر مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد كل من “بنيامين نتنياهو” رئيس حكومة الكيان، و”يوآف غالانت” وزير دفاعه الأسبق بالارتياح، مع أن المذكرة شملت عنصرًا من حماس هو محمد ذياب إبراهيم المصري المعروف باسم الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية. لذا وجب تسليط الضوء على هذه المحكمة وطبيعتها. 

فمن المعلوم أن المحكمة الجنائية الدولية التي يقع مقرها في لاهاي، هولندا، تختص بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب طائفة من الجرائم الدولية، وهي: جرائم الحرب: وتشمل الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة، الجرائم ضد الإنسانية: وتشمل الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين بشكل واسع ومنظم، مثل القتل والإبادة والعبودية، الإبادة الجماعية: وتعني قتل أو إلحاق أذى جماعي بشخصيات معينة بناءً على العرق أو الدين أو القومية، وجرائم العدوان: وتشمل استخدام القوة العسكرية في انتهاك للقانون الدولي.

ويعد اختصاص هذه المحكمة تاليًا لاختصاص القضاء الداخلي للدول، فلا تتدخل إلا إذا كانت الدولة المعنية غير قادرة أو غير راغبة في محاكمة الجرائم بنفسها، ومن أبرز الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية: الدول الأوروبية: معظم دول الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، والمملكة المتحدة، وغيرها، دول أفريقيا: العديد من الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا، كينيا، ورواندا، دول أمريكا اللاتينية: مثل البرازيل، الأرجنتين، وكولومبيا، دول آسيا والمحيط الهادئ: مثل اليابان، نيوزيلندا، والفلبين، وبعض الدول العربية: وهي تحديدًا: الأردن، تونس، فلسطين، جيبوتي، وجزر القمر.

مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين رفضتا الانضمام إلى هذه المحكمة، وروسيا انسحبت منها في عام 2016 بعد أن كانت قد وقعت على نظام روما في وقت سابق، والهند لم تصادق على نظام روما، كما أن دولة الكيان من الدول التي ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من أنها كانت قد وقعت على نظام روما الأساسي الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية في عام 2000، إلا أنها لم تصادق عليه، وبالتالي لم تصبح عضوًا فيها.

وترفض إسرائيل أن تقوم المحكمة بمحاكمة الأفعال التي تحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تعتبر هذه الأراضي جزءًا من نزاع إقليمي مع الفلسطينيين، وبالتالي ترى أن المحكمة الجنائية الدولية ليس من اختصاصها التدخل فيها.

هذا ويمكن إحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية بطرق مختلفة، ويتم ذلك وفقًا للمبادئ المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، وهذه الطرق هي:

1. إحالة من قبل مجلس الأمن الدولي، كما حدث في الحالة الليبية، مع العلم أن ليبيا ليست عضوًا فيها. 

2. إحالة من قبل الدولة ذات الصلة. 

3. الادعاء العام: حيث يمكن للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيقات بشكل مستقل بناءً على معلومات موثوقة تشير إلى ارتكاب جرائم دولية.

4. إحالة من قبل دول أخرى: بشرط أن تكون القضية تتعلق بجرائم جنائية دولية تقع ضمن اختصاص المحكمة.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل يمكن للمحكمة محاكمة أفراد يتبعون دولًا ليست أعضاء فيها؟

والإجابة: نعم، المحكمة الجنائية الدولية يمكنها محاكمة أفراد من دول غير الأعضاء في بعض الحالات، كم لو ارتكبت الجريمة على أراضي دولة عضو في المحكمة، وكذلك إذا تمت إحالة القضية من قبل مجلس الأمن الدولي، كما سبق أن حدث مع السودان، وليبيا.

وهناك بعض الانتقادات التي تشير إلى إمكانية استغلال المحكمة الجنائية الدولية لأغراض سياسية من قبل الدول القوية، هذه الانتقادات تستند إلى عدة نقاط رئيسة، ويمكن تلخيصها في الآتي:

بعض الدول تعتبر أن المحكمة الجنائية الدولية قد تستخدم انتقائيًا ضد الدول الضعيفة.

رفض الدول الكبرى الانضمام للمحكمة، يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المحكمة وقدرتها على محاكمة الأفراد في هذه الدول.

التأثير على السياسة الداخلية للدول، فمن الممكن أن تستخدم بعض الدول المحكمة كأداة للضغط على حكومات الأنظمة الضعيفة، ما يجعلها عرضة للمحاكمة لأسباب سياسية بدلًا من العدالة البحتة.

التمويل والتأثير السياسي: فالمحكمة الجنائية الدولية تعتمد في تمويلها على الدول الأعضاء في النظام الأساسي. لذلك، قد تشعر بعض الدول بأن الدول المهيمنة يمكنها التأثير على قرارات المحكمة من خلال التمويل أو بالضغط السياسي.

وختامًا نقول إن المحكمة الجنائية الدولية أداة مهمة للمحاسبة الدولية في مواجهة الجرائم الكبرى، ومع ذلك، من المهم أن تظل المحكمة مستقلة وغير منحازة لضمان تحقيق العدالة بحق جميع الأفراد بغض النظر عن مكانتهم أو القوة السياسية لدولهم.

++++++++

المعايير الموضوعية لتحديد المنتصر والمهزوم

محمد جبريل

كان هدف العدو إخلاء فلسطين من الفلسطينيين، وتوسيع رقعة الكيان باحتلال أراض عربية جديدة، وهذا ما صرح به النتن برسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، وضعها على قيافة جنوده، لكن طوفان الأقصى استبقه وأجهض خطته، فوضع العدو لنفسه أهدافًا مرحلية باسترداد الأسرى والقضاء على حماس وحزب الله، واحتلال جنوب لبنان.

أما أهداف المقاومة فهي وقف مخطط توسيع الكيان، واستمرار القتال لتحرير فلسطين، ولنجرد نتائج قتال 14 شهرا، بمقارنة وضع المقاومة بوضع العدو قبل الطوفان وبعده.

كل مدن العدو تعرضت للخراب، وتوقفت المدارس والمصانع، وعاش ثلثا سكانه في الملاجئ ونزح ربع مليون من الشمال ومائة ألف من محيط غزة، وهاجر مليون صهيوني بغير رجعة، وتزعزعت ثقة الصهاينة في قدرة جيشهم على توفير أمنهم، وعالميًا اتضحت صورة الكيان كنظام فصل عنصري وإبادة بشرية، توجت بإصدار محكمة الجنايات الدولية لأوامر قبض على قيادته، مع قوائم سرية أخرى ترعبهم، فانتهت سردية المحرقة فالمحكمة التي أنشئت للنازيين تحاكم الصهاينة عن نفس التهم، وبرر (النتن) موافقته على الهدنة مع لبنان بأن الجيش منهك ومخزونات عتاده نفدت ويريد أن يتفرغ لإيران ولسوريا.

جل بنود الاتفاق منقولة من القرار 1701/2006 والباقي أفيد للمقاومة بتخفيف القيود عليها، وتقليص دور (اليونيفيل) في جنوب الليطاني بدل كامل لبنان، مما يشرعن بنية المقاومة وتسليحها، وإعادة تنظيم صفوفها، وإقرار حق الدفاع عن النفس للطرفين وفق القانون الدولي، وانسحاب الكيان إلى الخط الأزرق، بما فيها مزارع شبعا وقرية الغجر المحتلة منذ 2006، ورفض طلب الكيان بتحويل جنوب الليطاني لدولة خارج لبنان برئاسة ضابط أمريكي، فالسيادة للبنان واللجنة أصبحت استشارية. فرنسا رشَت (النتن) برفضها اعتقاله مقابل أن يتخلى عن معارضته لعضويتها.

العدو لم يحقق أيا من أهدافه المعلنة، يروج المرجفون بأن حزب الله تخلى عن غزة، بينما بيانات محور المقاومة تؤيد الاتفاق، لأنه إسناد لغزة ويعيد تركيز الرأي العام الغربي على الجرائم بغزة، ويشعل احتجاجات الصهاينة التي ماتت أثناء الحرب على لبنان، لأن 69% يؤيدون حرب لبنان، و21% فقط يؤيدون حرب غزة، فبدأوا يقولون لماذا الانسحاب من لبنان، وليس من غزة لاستعادة أبنائنا.

رغم فداحة خسائر المقاومة بفقدها الصف الأول والثاني من قياداتها العسكرية والسياسية، فإنها لم تنكسر لأن بنيتها قوية، بل زادت من عملياتها التي غطت كامل الكيان، ووجهت للعدو ضربات أكثر إيلامًا وأوسع نطاقًا، فعمليات المقاومة شهر 11/2024 أشد وأكثر اتساعًا من عملياتها شهر11/2023، فيوم الأحد الأسود ضربت المقاومة كل جغرافية الكيان بخمسمائة صاروخ ومسيرة، والمقاومة الفلسطينية تثخن في العدو، فهدف تدمير حماس وحزب لم يتحقق، وهذا بذاته نصر للمقاومة كونه عجزا عن سحقها، العدو عجز عن مواجهة المقاومين فاتجه إلى ضرب المدنيين وتجويعهم، واعتمد على سلاح الجو لأنه أجبن من أن يواجه المقاومين على الأرض، وبالمقارنة لسلوك أصحاب الأرض بسلوك الغزاة، فقد لاحظنا الفلسطينيين لم يفكروا في الهجرة لخارجها، أو النزوح إلى المناطق التي طلب منهم العدو النزوح إليها، لأنهم أدركوا أن نية العدو “سنقتلكم هنا أو انزحوا لنقتلكم في رفح”، والشعب اللبناني أظهر معدنه النقي باحتضان النازحين من الجنوب، وبمجرد إعلان الهدنة بدأوا يعودون إلى الجنوب في مسيرات عفوية تحمل أعلام المقاومة، وصور الشهداء، أي بهوية سياسية تعبر عن احتضان الشعب اللبناني لمقاومته، وفي المقابل مستوطنو الشمال وغلاف غزة يرفضون العودة إلى مستوطناتهم، رغم الإغراءات المالية.

الروح المعنوية على الضفتين تعبر عن الشعور بالنصر أو بالهزيمة، واستمرت الجبهات الست الأخرى مفتوحة، فالمقاومة بغزة تثخن في العدو بعمليات موجعة، وأجدادنا في اليمن مرغوا أنوف الأساطيل الأنجلوساكسونية في التراب، وشلوا الحياة في موانئ الكيان، وعمليات الدهس والقنص في الضفة مستمرة، وسوريا مستمرة في الإسناد والمقاومة العراقية تقض مضاجع العدو، وإيران تتوعد بانتقام جديد.

والتطور اللافت اغتيال مساعد الحاخام الأكبر بالإمارات (كوغان) الذي سبق أن قال سأكون أول من يبني مستوطنة في غزة، فأرسلته المقاومة إلى مستوطنته بجهنم قبل أن يحقق حلمه، هذه الحادثة حطمت حلم التطبيع وهددت صورة الإمارات كونها مكانا آمنا للاستثمار والسياحة، كما أن عملية التطبيع توقفت، والعرب بدأوا يشكلون تحالفات بعيدة عن أمريكا، لأن النجم الأمريكي بدأ في الأفول.

كثيرون يتوقعون أن مجيء ترامب سيغير الموقف من الكيان، ترامب سيتعامل مع القضايا العالمية بعقلية سمسار العقارات، مثلما جاء بكتابه “الصفقة”، فاللافت أنه في خطاب الانتصار وجه الشكر إلى الأفارقة والمسلمين والعرب، ولم يأت بذكر الصهاينة، (النتن) يعول على ترامب، الذي لن يعطيه أكثر مما أعطاه بايدن، لكن الفرق بين الاثنين أن بايدن يدعم في الكيان و(مخادع) للأغبياء العرب لخلق وهم تفاوضي، بينما ترامب (وقح) لا يأبه بردود أفعال العرب، فهو اعترف بقرار ضم القدس الصادر عام 1998 وقد يعترف بضم الضفة المحتلة أصلًا، أي الإعلان عن الاستغناء عن خدمات السلطة في التنسيق الأمني. 

المحصلة كسبت المقاومة معركة، ولكن الحرب لم تنته بعد، والعدو لن يتوقف طوعًا عن السعي لطرد الفلسطينيين وتهويد فلسطين، وتوسيع الكيان على حساب العرب، الحرب لم تنته، فإيران وسوريا في دائرة الخطر، أوعز الصهاينة والأمريكان لجبهة النصرة بمهاجمة حلب، ولولا الإسناد الروسي ما تم ردهم، الخمسون يوما القادمة حاسمة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى