الأساس القانوني لامتداد شرط التحكيم للغير
بقلم/ غادة الصيد
إن اتفاق التحكيم في المنازعات ذات الطبيعة التجارية، شأنه شأن أي اتفاق أو عقد آخر ملزم لأطرافه فقط، وهم من صدر عنهم التعبير عن إرادتهم بالالتزام به دون قضاء الدولة، ويترتب على ذلك أن القوة الملزمة لهذا الاتفاق حقوقا كانت أم التزامات تنصرف إليهم فقط دون سواهم، وهذا ما يعبر عنه في فقه القانون الخاص (بمبدأ نسبية أثر العقود من حيث الأشخاص)، وترتيبا على ذلك فإن الغير في اتفاق التحكيم أي غير المتعاقدين وخلف كل منهما، هو من لم تربطه بأحد طرفي هذا الاتفاق علاقة عقدية، أي لم يوقع عليه شخصيا أو بواسطة من يمثله بإحدى طرق النيابة التي يقررها القانون، فيكون بذلك في حكم الأجنبي، فلا تنصرف إليه آثار هذا الاتفاق، ومن ثم لا يكتسب حقا ولا يتحمل التزاما ناشئا عنه.
إلا أن الظروف كثيرا ما تقتضي ضرورة استفادة الغير من هذه العقود وتأثره بالالتزامات المتولدة عنها، أضف إلى هذا أن صفة الطرف في العقد لم تعد قاصرة على المتعاقدين فقط، حيث الواقع العملي تجاوز هذا المفهوم والخروج عن مقتضاه إذا أصبح يعترف للغير الأجنبي عن العقد بحقوق ويلقي عليه التزامات ناشئة عن هذا العقد، بالرغم من أنه لم يكن طرفا فيه، وهو ما يجعل مركز هذا الغير يشكل استثناء من مبدأ النسبية المذكور، فإذا ما تعرض الغير للعقد النافذ في مواجهته والاشتراطات العقدية التي يتضمنها بعمل مادي وليس بتصرف قانوني فهذا العمل يخرج عن المفهوم الدقيق لنفاذ العقود.
وبناء على ذلك فإن العقد من منطلق نفاذه بصفته واقعة قانونية، يتولد عنه أثر خارجي مفاده التزام الغير باحترام عقود الآخرين، وذلك متى استوفت شروط نفاذها في مواجهته خاصة شرط العلم، فمثلا شرط التحكيم الوارد في سند شحن بحري، أو إحالة لهذا الشرط من السند إلى مشارطة إيجار، فإن مثل هذا الشرط وما يماثله من شروط أخرى يلزم احترامه وفقا لمفهوم نفاذ العقد بصفته واقعة قانونية سواء من المتعاقدين الأصليين أو من المرسل إليه طرفا ذا شأن في عقد النقل البحري. وبناء عليه فإن النفاذ داخل المجموعة العقدية إلى جانب توافر عنصر العلم وعنصر المصلحة.
وهذه شروط جوهرية لتحقيق عملية النفاذ داخل المجموعة العقدية. تخلق التزاما جديدا داخل هذه المجموعة ذا طبع إيجابي وليس سلبيا، فاحترام عقد الغير داخل مجموعة عقدية يربطها وحدة المحل والسبب. لمبدأ النفاذ داخلها حيث يوجب على كل عضو في هذه المجموعة تنفيذ التزاماته تجاه الغير صاحب المصلحة، أو بعبارة أخرى فإنه ينشأ لهذا الغير صاحب المصلحة حق خاص بمقتضى النفاذ داخل المجموعة العقدية التي هو عضو فيها، يخوله مطالبة أي عضو آخر داخل ذات المجموعة بأن يحترم مصلحته وينفذ أي التزام قد ينشأ عن العلاقة العقدية الأصلية.
في أي من تلك العقود قبل باقي الأعضاء متى توافر فيهم شرط المصلحة وشرط العلم، ويكون لهؤلاء أن يتمسكوا في مواجهته بذات الشرط استنادا إلى ذات الشروط المتقدمة وبانتفاء هذه الشروط خاصة شرط العلم وشرط المصلحة نكون إزاء عدم النفاذ.