مقالات الرأي

أولويات الإصلاح الصحي

بقلم/ علي أبو قرين

حدث في العقدين الأخيرين تطور متسارع في التقنية والتكنولوجيا الطبية، ما أثر بشكل كبير على الخدمات الصحية، ومبشر بإحداث تغيير جذري في الممارسات الطبية والمفاهيم الصحية، والنظم والقوانين والآليات والخدمات ووظائفها المختلفة، وتغيير في المهن الطبية والصحية ونوعية تخصصاتها وعلومها وتدريبها، وقد تختفي بعض التخصصات المعتادة، وقد تتداخل بعضها مع أخرى، وقد تطغى تخصصات على غيرها، وبالتأكيد سوف تستحدث تخصصات ومهن كثيرة مختلفة تفرضها ثورات التطور العلمي والمعرفي والتكنولوجي في الخدمات الصحية والعلوم الطبية، المطالبة بتحقيق النتيجة، وهذا يتطلب التماهي والاستعداد للتماشي مع التطورات التي بدأت منذ عقدين، وليبيا أكثر حظًا من غيرها لقلة عدد السكان ووفرة الموارد وتوفر بنية تحتية صحية معقولة ومصنفة، وقوى عاملة صحية محلية وطنية بأعداد تتماثل مع المؤشرات التي تحققها الدول متوسطة الدخل وأعلى قليلًا من الدول الضعيفة.

وجيد التفكير والعمل على ميكنة ورقمنة القطاع الصحي، واستخدام الذكاء الاصطناعي والتوسع في التأمين الصحي!!!!!!، كما تفعل الآن الجهات المسؤولة عن الصحة، ولكن هذا يتطلب الكثير من الأعمال الإصلاحية في النظام الصحي والبنى التحتية، وإلا سيكون كمن يسعى لشراء ربطة عنق جميلة وغالية تتناغم مع الموديلات الحديثة على جسم عار أو على بدلة بالية تحتاج إلى رتق ما بها من رقع كثيرة.

ولهذا نرى التفكير الأمثل في الإسراع إلى اتخاذ القرارات التي تتبنى الإصلاح الصحي وتباشر فيه، ويجب أن يكون إصلاحا بنيويا يبدأ من القاعدة ويتوسع أفقيًا وعموديًا في تطوير بناء النظام وأهدافه وسياساته وهياكله ووظائفه بالتحديد لأعدادها ومواصفاتها، وتحديد مدخلات النظام ومخرجاته ومستوياته المختلفة، والعلاقات المحددة بدقة بينها، وكيفية التنقل داخلها من مدخل النظام إلى مخرجه، بما يغطي دورة حياة الناس كاملة ومتصلة ومستمرة مع استمرار الحياة، نظام يعزز الصحة ويمكن الناس منها ويحسنها لهم، يكافح الأمراض وأسبابها، ويدفع العلل عنهم ويخفف آثارها، نظام مرتكز على الفرد والأسرة والمجتمع، نظام صحي قوي وفعال ومنصف وعادل لكل الناس في كل الأماكن بنفس القدر والإمكانيات والجودة، والمرافق الصحية موجودة لكن قديمة وتحتاج إلى الكثير من التطوير والتحديث لتتناسب مع التقنيات الطبية الحديثة في التشخيص والعلاج والتأهيل، والتعليم الطبي والتدريب السريري الراقي الذي يؤهل الأطباء حقًا والتمريض الذي يؤمن على صحة وحياة الناس، والفنيين الأكفاء والإداريين الصحيين القادرين، وفي حاجة إلى التوسع في بناء مرافق صحية متكاملة تحقق توفير الخدمات الصحية كاملة وسهلة الوصول إليها والحصول عليها، وتتناسب مع المجمعات السكانية وتوزيعاتها وأعدادها وأنماط الحياة والعمل بها، مربوطة ببيانات السكان المنوطة بهم، والقادرة على خدمتهم فرديا وأسريا وجماعيًا، وداخل المرافق الصحية وخارجها وبالمنازل وأماكن العمل والتنقل معهم بما يتاح تقنيا في العالم للأجهزة الطبية المحمولة والأساليب الحديثة للتطبيب.

والقوى العاملة الصحية متوفرة أعدادا فقط حسب الشهادات الممنوحة!!، ويحتاجون إلى برامج تجسير وتطوير وتأهيل علمية متخصصة في الداخل والخارج بالتعاون مع مؤسسات التعليم والتدريب الطبي والصحي المعروفة عالميا والتي تمتلك المستشفيات التعليمية وتديرها، والتخلص من ثقافة التعليم الطبي السائدة الآن والتي تحتاج إلى تغيير جذري وعاجل وطي صفحتها، وضرورة أن يكون بليبيا مستشفيات جامعية تتبع التعليم العالي والجامعات وكليات الطب وتتبعها إداريًا وماليًا وقانونيا ووظيفيًا وتلتزم بالهياكل التنظيمية للمستشفيات الجامعية، وبالإمكان البدء بمركزي طرابلس وبنغازي الطبيين، حيث إنهما تتوافر بهما السعات السريرية، وبعض الإمكانيات الأخرى، ويقعان داخل حرم الجامعات، ويُلحق بهما أعضاء التدريس الأكاديميون، ويتم تغطية النواقص بالاستجلاب من الخارج، والفصل التام بينهما وبين العمل العام بمرافق الصحة والعمل الخاص تعليم وخدمات، وهذا يتطلب تسوية أوضاعهما المالية المجزية، وعلى الصحة أن تحدد مجموعة من المستشفيات التي تتوفر فيها الشروط المطلوبة للمستشفيات التعليمية، وتؤسس هيئة للتعليم الطبي والتدريب السريري تخصص لها ميزانياتها وتوضع لها الهياكل التنظيمية واللوائح الخاصة بها بما يجعلها قادرة على القيام بتدريب الأطباء والتمريض والفنيين وتقييمهم وإجازتهم مع التطوير المستمر لكفاءات العاملين الصحيين.

أيضا يجب أن تكون المستشفيات التعليمية داخل منظومة الخدمات الصحية وتحدد مستوياتها وفق خدماتها، وضرورة الفصل التام بين العمل العام والخاص في الخدمات والتدريب والتجارة الصحية، ويجب أن تقوم الدولة من خلال مؤسساتها بتسعير جميع الخدمات الصحية وتطبيق حساباتها دفترياً حتى بالمرافق الصحية العامة المجانية، وتخضع للمراجعة المالية الدقيقة، ذاتيا ومن الديوان، وتحدد تسعيرة الخدمات الصحية للقطاع الخاص، وتخضع للمراجعة المالية والرقابية الحكومية، وعلى الدولة أن تفرض تطبيق معايير جودة الخدمات الصحية وسلامة المرضى ومكافحة العدوى وتضع الآليات العلمية والمهنية والتدقيقية والإحصائية لمتابعة جميع النتائج الصحية لجميع المترددين والمنومين بكل منظومات الخدمات الصحية العامة والتعليمية والخاصة، ولن تصعب بعد ذلك الرقمنة والميكنة والصحة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، والتأمين الصحي الاسواء نظام تمويلي، وأي طموحات أخرى.

وإن تكدس الهيئات والمراكز والأجسام الموازية تدمير مقنن للنظام الصحي، والالتجاء للشركات للعلاج والإدارة حجة العاجز وأشياء أخرى.

الإصلاح استراتيجيات وخطط وبرامج ويبدأ بنماذج قابلة للتنفيذ والتطوير، ويتوسع الإصلاح وفق البرامج الزمنية حتى يكتمل باكتمال النظام الصحي المنشود الذي يحقق التغطية الصحية الشاملة والعدالة والمساواة، والصحة والعافية والرفاه للأمة.

زر الذهاب إلى الأعلى