أصلحوا ذات بينكم
بقلم/ فرج بوخروبة
المراقب للأحداث في ليبيا عقب سقوط النظام عام 2011، وحل بدل عنه حالة من التوتر والقلق على مستوى البلاد، نتج عنها تراجع كبير لعدد من القوى الوطنية الليبية التي كانت تسعى إلى استعادة توازنها السياسي في ليبيا منذ بداية الأزمة الليبية، التي شهدت سقوط عشرات الضحايا من القتلى والمصابين والتهجير القسري داخل البلاد وخارجها ناهيك عن الكم الهائل من الدمار الممنهج الذي تعرضت له الدور والمؤسسات والشركات التابعة للدولة التي كانت تقوم بدور مهم في تحقيق التنمية المستدامة، ونتيجة فشل الميليشيات الانقلابية في السيطرة على عموم ليبيا بعد أن تلاشت تدريجيًا من مناطق سيطرتها في الشرق والجنوب لمدة ثلاثة أعوام متتالية، الأمر الذي دفع هذه الميليشيات إلى أخذ العاصمة وما بعدها من المدن والقرى المجاورة رهينة لهم، وحتى اليوم أصبح الوضع الأمني صعبا والاستقرار السياسي في ظل غياب الدولة الوطنية الحديثة، التي كانت حلم الشعب وطموحه في التغيير والإصلاح إلى الأمام مجاراة لتطلعاته المستقبلية.
وما زالت الأزمة تتأزم في المشهد السياسي والاقتصادي وتلعب على وتر تدهور الأوضاع الأمنية ومحاولة زرع الفوضى والفساد في المجتمع، وضرب الاستقرار الاجتماعي بشكل كبير، كورقة ضغط على الشارع الليبي وتشتيت أفكاره عن السياسة العامة للدولة وعلى رأسها السلطة التشريعية والتنفيذية، مستغلين ذلك الوضع الاجتماعي بقدر كبير حتى يتمكنوا من ممارسة مهامهم السياسية والاقتصادية في البلاد دون استثناء، طارحين عديد الحلول الممكنة إن خلصت النيات الحسنة إلى ذلك الواقع الجديد، إلا أنهم لم ولن يكونوا على قدر المسؤولية في هذا السياق وبحجج ومبررات واهية ومسكنات لتهدئة الأوضاع السياسية.
طرحوا رؤى غير واقعية وغير قابلة لإعادة صياغة السياسات العامة للدولة، نجدهم أحيانا يطالبون كذبًا وزورا بالإسراع إلى تنفيذ إصلاحات دستورية ومن ثم الذهاب إلى انتخابات تشريعية وتنفيذية جديدة، وهم في ذلك من المراوغين، ثم وما بعدها نسمع ونراهم يتسابقون على ملف المصالحة الوطنية لكي يتمكنوا من العودة إلى المربع الأول، ولن نجد لهذا الملف سوى نتائج تصب في مصلحة المتصدرين للمشهد السياسي حيث لا صلح ولا حل للأزمة السياسية في وجودهم كطرف داع إلى التفاوض والتفاهم والحوار ومن ثم المصالحة الوطنية الشاملة لكل الشعب المتصالح مع نفسه من الأساس، وكل المواقف الوطنية الحقيقية تؤكدها الأحداث، وما كارثة دانيال عنا ببعيد، لذلك نوصي دائما وأبدًا أن يتركوا الشعب المتوحد كلمة ووطنا وأن يتجهوا إلى إصلاح أنفسهم ومراجعتها وفق قوانين المنطق والواقع وما آلت إليه الأمور بسبب تعنتهم وتمسكهم بالكراسي جماعة وفرادى غير مبالين بِمَا عليه البلاد من فوضى وانهيار اقتصادي وصحي وتعليمي وأخلاقي.
اتركونا وشأننا وتصالحوا مع أنفسكم حتى لا تقوم عليكم الحجة وللتاريخ شواهد كثيرة، وللشعوب كلمتها الفصل في الأول والأخير، وإذا كان لزامًا من التباحث في هذا الملف فلا بأس شريطة أن تكون هناك دراسات علمية وفق قوانين العدالة الانتقالية بعد أن تستقر الدولة وتفتح المجال أمام كل متضرر منذ فترة زمنية معينة تحددها الدولة حتى لا يظلم أحد وأن يجبر الضرر للكل دون استثناء حتى لا تنطبق عليهم الحجة بقول: من يحاكم من، ومن يطالب من، ومن له الحق ومن لا حق له، الكل متساوون أمام القضاء للفصل بينهم فيما يتخاصمون، وأخيرا نذكر بالآية الكريمة في قوله تعالى: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) أي: اتقوا الله في أموركم، وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا؛ فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه.