عَصاة الرئاسي وشبح الانقسام
بقلم/ عفاف الفرجاني
المجلس الرئاسي الليبي يدعو المواطنين إلى الوثوق به كجسم محايد في العملية السياسية، وذلك من خلال إجراء بعض القرارات التي تمس البلاد بشكل مباشر، فبالأمس القريب قام الرئاسي بعزل محافظ مصرف ليبيا المركزي واستبدله بآخر دون الرجوع إلى مجلس النواب المنتخب من الشعب، واليوم يحاول الرئاسي جس نبض الشارع الليبي من خلال طرح استفتاء كمقترح لإسقاط مجلسي النواب والدولة والأحزاب، هذا الرئاسي الذي جاء من رحم قوة أجنبية فرضت إرادتها على الشعب الليبي لتخلق حالة من الوصاية السياسية بإطار شرعي جديد، فالذي يجب أن يعلمه الجميع أن المجلس الرئاسي هو أحد أطراف المشكلة السياسية في ليبيا، كونه وجه العملة الآخر لحكومة دبيبة الذي ينفذ إرادتها، هذه الحكومة الأكثر فسادًا بين الأجسام الرباعية، اليوم يتغاضى الرئاسي عنها ويستعمل من قبل أطراف خارجية كأداة للتنفيذ.
الشعب الليبي الذي أصبح واعيًا للمؤامرة التي تحاك ضده خارجيًّا بأدوات محلية، لا يملك القوة الكافية للوقوف أمام العديد من القرارات، على سبيل المثال عندما أزاح الرئاسي محافظ المصرف المركزي كاستحقاق وطني بالدرجة الأولى بحجة الفساد الإداري والمحسوبية، نجده اليوم يناقش بنود الميزانية من خلال وفد رئاسي مع السفير الأمريكي ومدير الخزانة الأمريكية!!
عصاة الشرعية التي يستعملها الرئاسي ضد مجلس النواب تحديدًا وإشارته إلى أنه «سلطة تشريع انتقالي مؤقت، مدَّد لنفسه دون استفتاء الشعب، وأن هناك حالة من الاستقرار والإعمار، تشهدها كل ليبيا»، في إشارة لزوال الأعذار أمام المجلس لإجراء استفتاء على تجديد شرعيته، متناسيا أن مجلسه يقبع داخل بؤرة الميليشيات التي قسمت المنطقة الغربية إلى مناطق جغرافية تحكمها البندقية.
إن هذا الإجراء الذي يعمل عليه الرئاسي كخطوة تصعيدية أولها استفتاء وآخرها تنفيذ، من المؤكد أنها تُهدد وحدة ليبيا كاملة، أول تداعياتها الانقسام، فلن تسمح القوات المسلحة أن يزاح صمام الأمان المتمثل في مجلس النواب والذي ما زال محافظًا على الثوابت الوطنية للدولة، فلولاه لما كان هناك مؤسسة عسكرية بمعناها الحقيقي، ولكانت ليبيا تغرق في دماء أبنائها التي استباحها المتأسلمون والتنظيمات الإرهابية، ومع ذلك أرى في تقديري أن السيد محمد المنفي رئيس المجلس وقع في فخ القوى الحاكمة الفعلية في العاصمة طرابلس وإملاءات القوى الخارجية المتمثلة في أمريكا وبريطانيا وبدأت الضغوط والانتقادات تحاصره مبكرًا، منذ اليوم الأول له في الرئاسي، جاء هذا إثر زيارته لبنغازي التي التقى فيها القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر والذي أثار غضب واستهجان كثيرين من المسؤولين في العاصمة، حتى أن رئيس مجلس الدولة خالد المشري، علَّق على هذه الزيارة بثلاث كلمات، قال فيها إن “أول القصيدة كفر”.
وهذا يقودنا إلى أن المجلس الرئاسي لا يملك قراره، وما هو إلا أداة تخدم حكومة الدبيبة وتنفذ أجندة القوى الخارجية، فكان الأولى به أن يجري استفتاء على حل الحكومة الفاسدة التي أهدرت أموال وحقوق الشعب الليبي بين ميليشياتها ومصالحها الشخصية.
في تقديري أن مجلس النواب صمام الأمان للشعب الليبي، فلولاه لما كانت هناك قوات مسلحة، ولكان مجلس الدولة أقر مشروع الدستور بما يخدم مصالح الإخوان المسلمين، ولكانت الاتفاقيات السابقة التي أبرمها السراج مع تركيا استباحت المياه واليابسة.