مقالات الرأي

هل ينقلب السحر على الساحر؟

بقلم/ ناجي إبراهيم

محكمة الجنايات الدولية التي أرادوها سيفًا آخر من السيوف الدولية التي شحذوها لقطع رقابنا، نراها اليوم تقطع رقابهم، ورغم إصدارها قرار اعتقال بحق قيادات في حكومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين ولأول مرة، وبعد 14 شهرًا من المجازر والمذابح وعمليات الإبادة التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ورغم التعاطي الإيجابي الذي أظهره بعض القادة في الغرب مع قرار الجنائية الدولية، والذين يدعمون جرائم الحرب التي تنفذها حكومة الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان، لا نثق في قدرة المحكمة في مواجهة الضغوط والتحديات الأمريكية، ولا نثق في صدق الإعلانات والبيانات التي صدرت عن دول داعمة للكيان تتعارض مع سياساتهم الداعمة والمنحازة لدولة الاحتلال وبكل السبل والوسائل، ولا نستبعد أن يكون هذا التأييد اللفظي لقرار الجنائية الدولة عبارة عن ذر الرماد في العيون لتبرير قرارات سابقة للجنائية الدولية صدرت بحق قيادات وأفراد في العالم لم تثبت بحقهم جرائم حرب، وكانت قرارات ملاحقتهم صدرت بضغوط من تلك الدول لأسباب سياسية، لم نشهد أن محكمة الجنايات الدولية منذ صدور قانون روما 2002 تجرأت وأصدرت قرارًا بملاحقة مجرمي الحرب في الغرب وأمريكا رغم جرائم الإبادة التي ارتكبوها ضد الشعوب في مختلف مناطق العالم من أفغانستان إلى ليبيا مرورًا بالعراق والصومال، وذلك ما يجعلنا نتشكك في جدية قرارها ضد مجرمي الحرب في كيان الاحتلال الصهيوني والمدعوم والمحمي من الغرب وأمريكا، وفي المقابل اتخذت قرارات ضد قيادات ومسؤولين سياسيين في بلدان الجنوب لمجرد تقارير إعلامية مزورة وكاذبة ومفبركة.

هل نصدق أن الدول التي كانت سببًا في قيام الكيان الصهيوني أصيبت بتأنيب الضمير فجأة؟ هل نرى الدول التي دعمت العدوان الصهيوني على غزة بالسلاح والمال والقرار السياسي تلقي القبض على نتنياهو تنفيذًا لقرار محكمة الجنايات الدولية؟ رغم أن ما صدر عن محكمة الجنايات الدولية خطوة غير مسبوقة فإن تجاربنا مع الغرب الاستعماري تجعلنا نتشكك في صدقية هذا الإجراء، ونتوقع أن ذلك يأتي في سياقات أخرى غير الذي قصدته مذكرات القبض التي ساوت بين الجلاد والضحية، ولغايات ستكشف عنها مجريات الأحداث في قادم الأيام يستخدم فيها القانون لفتح الأبواب لاتهامات قد تطال شخصيات وقيادات سياسية تشتبك مع مصالح الغرب الإمبريالي، ولا أتوقع أن تكون وسيلة للتخلص من (نتنياهو الذي بات يشكل عبئًا على المصالح الغربية في المنطقة)، على الرغم من أن ما تنفذه حكومة الكيان يخدم السياسات الغربية في منطقتنا ويجري تحت سمعهم وبصرهم وبمشاركتهم وتحت قيادة المنطقة العسكرية الوسطى الأمريكية.

الإدارة الأمريكية الحالية والقادمة والتي يجري تشكيلها من متطرفين يؤيدون الاحتلال الصهيوني قررت اتخاذ الإجراءات كافة لإفشال قرار الجنائية ومعاقبة قضاتها وتطبيق عقوبات ضدهم، الأمر الذي يبين لنا انخراطها في عمليات الإبادة موضوع التحقيق، وتحسبًا لتوجيه تهم إبادة وجرائم حرب ضد قيادات عسكرية وسياسية داخل الحكومة الأمريكية، هذا من جانب، ومن جانب آخر قطع الطريق على رفع ملفات جنائية على قيادات أمريكية ارتكبت جرائم حرب في مناطق أخرى من العالم.

تابعت كثيرًا من التحليلات المتفائلة حول قرار الجنائية الدولية الذي صدر ضد قيادات صهيونية متهمة بارتكاب مجازر حرب وإبادة جماعية في غزة، وذهب البعض إلى أن هذا الاتهام يسقط المظلومية التي يتعرض لها اليهود في العالم ويدحض السردية الصهيونية التي سيطرت على مساحة كبيرة من الرأي العام وخاصة في الغرب، وقد نكون أيضا نذهب نفس المذهب بل نراه إدانة دولية لما ارتكبته الصهيونية في فلسطين طيلة 75 عامًا، بل وتلحق الإدانة بالداعمين والمؤيدين والمؤسسين لهذا الكيان، الأمر الذي يفسر معارضة الحكومة الأمريكية ومن لف لفهم من حكومات الغرب للقرار، وسعيهم بكل السبل لإبطاله وتبرئة الكيان الصهيوني من جميع التهم التي تلاحقه أمام الجنائية، وذلك مبعث تشاؤمي، واعتبار هذا القرار لا يختلف عن قرارات سابقة، وهي بالعشرات تدين الكيان وتطالب بقيام دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني صدرت عن المنظمات الدولية وظلت حبيسة الأدراج، غير التي لم تصدر بفعل الفيتو الأمريكي والغربي، وعلينا أن نستخدم في مثل حالتنا هذه وغير مضمونة الاكتمال ووصولها إلى نهايات إيجابية وفي مصلحة قضية الشعب الفلسطيني والاستعاضة عن التفاؤل والتشاؤم (تشاؤل) حتى نخفف من أثقال الخيبات التي أحنت ظهورنا.

المنظمات الدولية، القانونية والسياسية والإنسانية هي القشة التي يتعلق بها الغارقون في وحل الهيمنة والاحتلال، إلا أنها أوهن من أن تنتشلهم، ولا خيار مضمون النتائج إلا خيار المقاومة وتشكيل جبهة عالمية لكسر هيمنة القطب الواحد على القرار الدولي ومواجهة مشاريعه الاستعمارية والتوسعية الإمبريالية وبناء نظام عالمي جديد تتساوى فيه جميع شعوب العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى