أقلام رخيصة!
بقلم/ فرج بوخروبة
للإعلام بوسائله المختلفة كافة، المكتوبة والمقروءة والمرئية والمسموعة، دور مهم في حياة المجتمعات والشعوب والأمم، والصحافة تعد إحدى هذه الوسائل، التي تعمل على نقل ما يحدث في المجتمع من تطورات وخبرات وتجارب، مساهمة منها في تعزيز دعائم القوة والمتانة في جسد المجتمع وتوعيته، وتعمل الصحافة أيضًا على مجاراة الأحداث المحلية والعالمية في شتى المجالات بتغطية الأخبار والمعلومات -بشكل يومي- مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية كافة.
الكتابة قدرة فائقة وموهبة قبل أن تكون مهنة، لها القدرة على تحريك الراكد في زوايا المجتمع وإبرازه وتسليط الضوء على جوانبه المشرقة والمضيئة، وكذلك على الجوانب المظلمة والسلبية من أجل معالجتها وتصحيحها، بروح وطنية خالصة وبموضوعية ودقة تامة عنوانها الصدق والشفافية والوضوح والحيادية وصحوة الضمير وعدم المبالغة للتمويه والخداع.
الممارسات غير الأخلاقية التي يحاول من خلالها بعض المكتسبين بأقلامهم إسقاط شخصياتهم الضعيفة والفارغة عليها، وتمرير نقصهم دون مهنية وموضوعية بهدف النقد السلبي وبث الفوضى وتشويه الحقائق وتزييفها بغرض الشهرة والظهور، فالبعض منهم يبحث عن الشهرة، والبعض الآخر يبحث عن المال والشهرة، وما بينهم أصبحت الكتابة في أوساطهم مهنة رخيصة مبتذلة!
كل صاحب قلم وعلم وفكر يقع على عاتقه مهام ومسؤولية كبيرة ذات بعد استشرافي وأخلاقي في تغيير واقع مجتمعه نحو المستقبل، والسير به إلى آفاق الرقي والتميز، والعمل على تطوير مهارات التفكير الإبداعي والابتكار لدى أبنائه وأجياله، ولكن عندما ينحو هذا القلم المنحى الخاطئ، بيانيًّا، فإن هذا سوف يثير الكراهية والفتن والحروب الأهلية، ويصبح معولًا للهدم كأداة لتدمير كيان المجتمع وفساده حتى يتذيل قائمة المجتمعات المحلية والإقليمية والدولية.
اليوم ونحن نعيش في عالم تسوده الفوضى العارمة كل مناحي الحياة، نجد من يتصدر المشهد من كتّاب وصحافيين ونشطاء محسوبين على الإعلام والثقافة بأقلام مدفوعة الثمن، مهمتها الأساسية الترويج والتسويق لبعض المتنفذين المشهود لهم بعدم النزاهة والقدرة والكفاءة على مواجهة الأزمات، إلا بقدر ما يجنونه من مكاسب سياسية ومادية على حساب المجتمع، الكاتب الحقيقي هو نبراس تهتدي به الشعوب والأمم، ويثق المجتمع بفكره وما تخطه يمينه من سطور، على أن لا تكون كتاباته سلعة تباع وتشترى بثمن بخس.
إن من يمتلك قلمًا يمتلك فكرًا حرًّا وضميرًا حيًّا، وذلك لأن الكتابة قبل كل شيء إيمانٌ بما نكتب، وأداة نبحث من خلالها عن قيم الحق والخير والعدالة والحرية والجمال، وهي كذلك وسيلة للتواصل ونقل وتبادل الأفكار، وليس فقط تسطيرًا لكلمات بلا معنى أو هدف أو غاية أو حقيقة سامية. وأنه مهما اختلفت دواعي الكتابة لدى الكاتب، تظل في النهاية أداة يعبر من خلالها عن ثقافته ومعلوماته وأحاسيسه ومشاعره الموجودة في ذاته، فكل قلم مرآة لذوق وفكر وأخلاق ومبادئ صاحبه.
إنني من خلال هذه السطور، أرى بعين الاعتبار أن ننصح أصحاب الأقلام المأجورة بأن يكونوا على قدر مسؤوليتهم الأخلاقية نحو أوطانهم مع الإخلاص التام والالتزام بالمبادئ الأساسية للدين والضمير الإنساني إن وجد، وإلا فلن يرحمهم التاريخ يومًا وسيذكرهم بما كانوا عليه من خسة وانحطاط أساؤوا بها لأنفسهم الوضيعة قبل أن يسيئوا لمجتمعاتهم ودولهم من أجل حفنة من الدولارات.