فقدان الإرادة القومية
بقلم/ عبد الله ميلاد المقري
يعيش العرب هذه الأيام أسوأ حالاتهم التاريخية وهم في المحطة الأخيرة من وجودهم على المستوى المحلي والدولي، ويثبت ذلك هذا الوضع المتردي في ظل السكوت على العدوان الصهيوني على غزة وكامل الأرض الفلسطينية، ما يجعلهم في مستوى الذل والمهانة.
ولم يشهد تاريخ العرب هذه الاستكانة وهذا الضعف وعدم التفاعل مع قضاياهم القومية في ظل وجود النظام السياسي الرسمي الذي أصبح يقترب من التطبيع مع العدو الصهيوني دون خجل، وينفذ ما يطلب منه من الإدارة الأمريكية وحكومة بريطانيا في عدم الاستجابة لدفع الضرر عن غزة وكامل التراب الفلسطيني والعدوان المتكرر على سوريا، في ظل خلو الساحة العربية من الأنظمة الثورية العربية التي كانت تستجيب لدعوة فعالياتها الجماهيرية في مواجهة العدوان الصهيوني اعتبارًا من العدوان الثلاثي على مصر 1956 ببداية احتلال العدو الصهيوني غزة وشرق قناة السويس حتى الوصول إلى بورسعيد في ذلك الوقت، كان عبد الناصر قد ألقى خطابه التاريخي المعروف في الأزهر بأنه سيقاتل، واستجابة لهذه الدعوة الوطنية القومية هب الشعب العربي في كل المدن والعواصم العربية للوقوف ضد العدوان الثلاثي على مصر برغم المواجهة من أجهزة القمع البوليسية التي واجهت هذه الجموع بالأسلحة النارية، ففي العراق وحده سجلت حالات المواجهة 140 قتيلًا مع رفع حالة الطواري، وفي ليبيا أيضًا تحولت كل المدن الليبية إلى مظاهرات عارمة لدعم مصر والجيش المصري بالمقاتلين وبالسلاح والاستعداد للتطوع والاحتجاج على الحكومة الليبية بالطلب إليها إجلاء القواعد الأجنبية الأمريكية والبريطانية ومنعهما من المشاركة في العدوان على مصر، ما جعل هذا البعد القومي في مناصرة الجيش المصري والشعب المصري فعالًا ومهمًا بعكس الحالة العربية المتخاذلة الآن وفقدان الإرادة الشعبية التي لم تتحرك ضد هذا العدوان وهذه الجرائم الصهيونية التي ترتقي إلى الإبادة الجماعية الإنسانية في غزة، حيث لم يكن التفاعل الشعبي في المستوى المطلوب مثل ما وقع في أمريكا نفسها التي قامت بها عدد من المظاهرات الشعبية في دعم غزة.
ولم يتوقف هذا النوم البطيء والخذلان عند هذا الحد زيادة على العدوان الصهيوني الشرس على لبنان التي دمرت كل مناطقها، ولم تكن بيروت فقط وضاحيتها الجنوبية، بل العدوان الصهيوني بالطيران وبدعم أمريكي الشريك الأساسي مع العدو الصهيوني في العدوان على لبنان، حيث يغادر ملايين السكان بيوتهم وأملاكهم المدمرة، لبنان الآن في اتجاه سوريا وردًّا على هذا العدوان تنهض القوى الفاعلة والمقاومة العربية من اليمن، حيث تعلن الوقوف مع الشعب الفلسطيني في غزة وتقوم المقاومة اليمنية -وبكل اعتزاز- بإرسال المسيرات والصواريخ إلى قلب مراكز العدو الصهيوني، وتعلن استهداف السفن التي لها علاقة بالعدو في البحر الأحمر، بالإضافة إلى قيام القوات الصاروخية اليمنية بالوصول إلى حيفا وتل أبيب مع المقاومة العراقية التي تمطر المواقع الاستراتيجية لجيش الاحتلال بالصواريخ والطيران المسير.
وتعطي هذه المقاومة الثقة للعرب بأن العدو الصهيوني لن يستمر في عدوانه على أي بقعة في الوطن العربي، وأن هذه الدولة المغروسة في قلب الأمة العربية لا يمكن أن تعيش أو أن تتعايش بالسلام مهما كان الأمر حتى ولو سجلت الأنظمة العربية الرسمية خيانتها.
للأسف الشعب العربي الليبي ظلم بالفعل، فلم يعد مؤثرًا في القضايا القومية وغير قادر حتى على تحرير بلاده من الوجود الأجنبي حيث تمثل تركيا الوجه الاستعماري في الأرض الليبية ويستدعي ذلك من شعبنا البطل أن يواجه كل المؤامرات المحلية والدولية بصلابة وقوة نضالية ودعم قواته المسلحة العربية الليبية ضد أي استهداف خارجي وداخلي من أجل الحرية والاستقلال وعودة الدولة الليبية إلى دورها القومي والإقليمي.