عبث في عمق الأعماق!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
المشهد الليبي يتسم باستمرار وتسارع عمليات العبث الممنهج في كافة مؤسسات الدولة، وتُدفع البلاد إلى التقسيم والتفتيت بإثارة النعرات وتمكين سلطات غير شرعية ودعم المجموعات المسلحة، ويستشري الفساد بدرجات قياسية عالميًّا، وصارت ليبيا وكرًا للجريمة الدولية المنظمة، ويجري الترويج للرذيلة والقيم الغريبة في مجتمعنا المسلم.
في نفس السياق تجري عمليات خطيرة لتعميق الشروخ المجتمعية ووضع قواعد ضمن المنظومة القانونية لاستدامة الحالة العبثية بتشريعات قانونية ودعايات موجهة تعرقل محاولات استعادة الدولة وبناء مؤسساتها، وتحول دون تمكين الإرادة الشعبية من أخذ زمام المبادرة وكسر المؤامرة، ومن تلك الترتيبات التي تجري في الخفاء على قدم وساق في بعثة هيئة الأمم المتحدة مع مجموعة من المخططين الغربيين وبعض الشخصيات الليبية من عمل خطير لإعادة صياغة القوانين الوطنية بما يتماشى ومعايير الغرب الوصي على ليبيا، لكي يتحقق الهدف من التدخل العسكري 2011، المناقشات التي تجري لم تتصف حسب المعلومات التي وصلت إلينا لا بالموضوعية ولا بالمهنية،المطروح من قبل من يسمون الخبراء الأجانب وموظفي البعثة – مندوبي أجهزة مخابرات الدول الوصية وتوابعها – يدور حول تطويرالقوانين الليبية، وبخاصة قوانين الإجراءات والعقوبات وما إليها، لكي تتماشى مع المعاييرالدولية، بمعنى أن تستوعب المراحل القادمة التي سيدفع المجتمع الليبي إليها وفقًا لما يجري الترويج له من الغرب من قيم، وليس من قبيل التخمين أو كما يقولون انطلاقا من نظرية المؤامرة أن أقول إن السماح بالمثلية أمر سيكون مطلوبًا من الغرب عاجلًا وليس آجلًا، وذلك يفرض تطوير القانون الليبي ليستوعب هذا المتغير! كما أن تحويل ليبيا إلى ميدان عمل للمافيا الدولية وحمايتها لتمارس الجريمة المنظمة في بلادنا تتطلب نوعًا من الحماية القانونية لأن القانون الليبي شديد وصارم تجاهها.
قوانين أخرى مهمة تتعلق بالسيادة كقانون الجنسية والهجرة وما إليها يراد تغييره ليمكن استخدام ليبيا كوطن بديل للمهاجرين الأجانب إلى أوروبا، وهذا أمر مطروح في العلن وليس من قبيل التخمين، بل يجري تنفيذه على قدم وساق وبشتى الوسائل رغم انتباه الشعب الليبي الواسع له وقيام بعض من الوطنيين المتواجدين في بعض دوائر الدولة حاليًا برفضه وعرقلة تطبيقه بما أتيح لهم من وسائل.
السؤال ما علاقة بعثة الأمم المتحدة للدعم والدول الغربية بقوانيننا الوطنية التي تخص ليبيا بظروفها المختلفة ومتطلباتها التي هي حاجة ذاتية لليبيا؟ وهنا لابد من التذكير أن القوانين الليبية التي صيغت منذ النصف الثاني من القرن الماضي هي قوانين متقدمة جدًّا في مجال الإجراءات والعقوبات ومكافحة الفساد ومحاربة الجرائم المنظمة أيضًا القوانين المتعلقة بالمسائل الاجتماعية كقانون الضمان وقانون الصحة، قوانين صيغت من خبراء قانونيين كبار وصدرت بعد مناقشات شعبية واسعة، فعندما صيغت وأقرت اطلع من صاغها على كل ما هو موجود من تطورات حديثة في القوانين الدولية وتمت مراجعتها عدة مرات وفق ما يحدث من تطورات من خلال كوادر ليبية تعي جيدًا طبيعة المجتمع الليبي ومتطلباته، وصدرت بعد أن تعرضت لمناقشات واسعة على مستوى القاعدة الشعبية، حيث كان ما قبل 2011 كل القوانين تطرح مباشرة على الشعب وتجري حولها حلقات نقاش واسعة لتطويرها وإعادة صياغتها في شكل ملائم ومقنع بعد أن يتوافق الناس عليها، ويصبح تطبيقها -فعلًا لا قولًا- خضوعًا للإرادة الشعبية الوطنية!
أما السؤال الأهم، فلماذا تجري ترتيبات إعادة صياغة القوانين الوطنية بهذه الطريقة شبه السرية ودون مشاركة من النخبة القانونية الليبية على كثرتها ورغم خبرتها الكبيرة في هذا المجال والاكتفاء بدعوة بعض العناصر المحدودة في محاولة لإرضاء بعض الأطراف حتى يمكن تمرير هذا المخطط الرهيب؟
من بداهة القول أن إصدار القوانين هو الاختصاص الوحيد الأصيل للسلطات التشريعية، ففي الماضي كانت المؤتمرات الشعبية التي تضم المواطنين الليبيين جميعًا هي أداة تشريع، والآن انتقل ذلك الاختصاص إلى المؤتمر الوطني في البداية ثم إلى مجلس النواب، فهل يعلم مجلس النواب بما يدبر بليل للقوانين الوطنية الليبية، أم أنهم منهمكون في قضايا أخرى مهمة، ولكن ليست بأهمية المحافظة على إطار إجراء سليم لصدور صياغة القوانين الوطنية وإصدارها.
القوانين في واقع الأمر هي الصيغة المكتوبة التي يلتزم بها الجميع لتنظيم العلاقات بين الأفراد في كل المستويات وعلى أساسها يقوم العدل، ومن خلالها يتحقق التعايش السلمي بين المواطنين.
خطورة ما يجري أنه سيقود إلى خلل في المنظومة القانونية التي يرتضيها الناس لتنظيم حياتهم، والنتيجة ستكون وخيمة.
الدعوة إلى النخبة الكبيرة والكثيرة من القانونيين والقانونيات في المؤسسات القضائية المختلفة وفي الجامعات ومراكز العمل أن تنتبه هي أولًا وأن تنبه الشعب ثانيًا وأن تقدم نفسها كحامٍ ومدافع عن القوانين الوطنية ضد العابثين ومن اختراق السفهاء والمجرمين، ففي ليبيا عقول في القانون من الرجال والنساء نقف لهم إجلالًا فلقد كانت ليبيا سباقة إلى إدخال النساء إلى سلك القضاء منذ عقود طويلة، هذه القوة القانونية ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها كاملة أمام شعبها وأمام القانون وأمام الله سبحانه وتعالى، فهم جيش الدفاع المتقدم الذي يعتمد عليه الشعب لحماية منظوماتهم القانونية وحماية العدالة.
لقد وصل العبث والفساد إلى كل شيء، لكن الضمان الوحيد والحصن الحصين هو جهاز القضاء الذي ما زال والحمد لله بخير.