بين الإعالة والتربية.. مفاهيم مغلوطة
بقلم/ ناجية الصغير عبدالله
يقول الشاعر:
ليس اليتيم من مات أبواه
إن اليتيم من وجد.. أمًّا تخلت أو أبًا مشغولًا.
بين الانشغال والتشاغل وبين التخلي عن المسؤوليات واستبدالها حكاية فشل ذريع يحتضنه الافتراض طرحًا ويلتقطه الواقع شتاتًا، والتربية في هذه التواقيت تشبه المسألة الحسابية المعقدة التي لا يجيد كثر حلها رغم المحاولات والأسباب تتعدد.
المفاهيم المغلوطة للتربية أضاعت الكثير، وسيادة النمط المعيل جعل هوة المشاكل الاجتماعية تزداد وتفاصيلها تتشابك، ولم يعد للأب والأم دور إلا أن يكونوا البنك العائلي الذي يجب ألا تشح سيولته رغم كل المعوقات، وبالتالي تجاهل الوالدان دورهما واستحدثا مهام جديدة خلاف تلك القديمة واحتفظا بذات الاسم حتى لا يشعرا بالذنب وأنهما مقصران.
الفرق الشاسع بين التربية والإعالة لا يعيه كثر، فالطعام والشراب والملبس والتعليم وغيره هي حقوق لكل ولد على والده، يؤمنها له بعمله وتعبه، ولكن التربية عملية دقيقة تحتاج إلى مربين لهم قدرة على أن يكونوا قدوة يقتدى بها، على عكس ما نراه اليوم تمامًا، فلا تربية تذكر في العلاقات العائلية الأسرية، هي فقط واجبات تؤدى وروتين استنزاف مادي لا يترك فرصة للقيام بالتوجيه والإرشاد، لذلك تجد ولدًا عاقًا رغم كل التضحيات المادية، ووالدًا بائسًا رغم كل المحاولات التربوية، فلماذا هذه التضحيات لا تقدير لها؟ ولماذا هذه المحاولات تبوء بالفشل؟
الجواب يترنح بين طغيان المفاهيم الاستهلاكية وغياب السلوك التربوي، فنظرة الولد لأبيه على أنه فقط مصدر المال يجعل الوالد حريصًا على توفيره رغم علمه بحجم تقصيره، فتصبح الأمور المادية عاجلة بالنسبة إليه والتربوية مؤجلة حتى يملك الوقت، والوقت كالسيف لا ينتظر. شتان بين الوالد المعيل والوالد المربي وبين الولد المسؤول والولد الاتكالي! نحن نحتاج إلى إعادة صياغة المفاهيم التربوية حتى لا نفقد المزيد؟