المواطن الإله المنبوذ
بقلم/ موسى الأشخم
يتغنى الجميع بالمواطن، ويسبح الجميع بحمده ويهللون له؛ حيث كل الفلسفات والأيديولوجيات والدساتيرتؤله المواطن، وتدعي أنها تنشد نيل رضاه. غير أنك حين ترصد حال المواطن تتبخر كل تلك النصوص التي تتمحور حول المواطن، وتجده -أي المواطن- بائسًا، ولا أحد يحفل به ولا بشؤونه.
يدعي النائب أنه في خدمة المواطن، غير أنه ما أن يحتل مقعده بصوت المواطن حتى يتنكر له، ويلبي عوضًا عنه مطالب ممولي دعايته الانتخابية، وملبيي طلباته الحياتية التي تنصرف إلى الرشاوي غير المنظورة.
يدعي مالك الصحيفة والقناة الفضائية أنه يحرص على إسماع رأي المواطن، فيأتي المواطن لإسماع صوته فيحول الحرس دون اجتيازه عتبة المؤسسة أو بابها.
ويدعي الباعة والتجار ورجال الأعمال أنهم في خدمة المواطن، غير أنهم يعملون ليل نهار لإنهاك قدرته الشرائية وتقليل قيمة ملاليم أجره أو مرتبه، وتدعي الشرطة أنها في خدمة المواطن، غير أنها لا تتردد في صدمه أو حتى في قتله إذا ما عرقل موكب رئيس أو حتى موكب وزيرأو نائب. يُسرق منزله أو يُعتدى عليه فيستنجد بالشرطة فلا يأبه له أحد، وتُسرق سيارته فيبلغ الشرطة عن الحادثة فيكتفي متلقي البلاغ بالقول:”كان القيتها بلغنا!”. ويدعي الجيش أنه ما وجد إلا للدفاع عن الوطن الذي يكتسب أهميته من المواطن، غير أنه لا يتردد في دعسه أو قتله لو عرقل قافلة من الآليات العسكرية.
تدعي المؤسسات الخدمية والحكومية أنها ما قامت إلا من أجل خدمة المواطن، ثم إذا بالمواطن يتسول حتى رد التحية أمام شباك تقديم الخدمة، فلا ينال حتى ردها، فما بالك بتقديم الخدمة. وتصمم تلك المؤسسات شبابيك تقديم الخدمة على نحو يذل المواطن، فهي عادة تجبره على الركوع للموظف، وغالبًا ما تكون تلك الشبابيك على الهواء الطلق، لا مظلة له من حر الشمس، ولا واقي له عند هطول المطرولا كرسي له يقيه من دوالي الساقين وطول المكوث أمام شباك المراجعات، ويدعي قطاع الصحة تقديم خدماته للمواطن فيموت المواطن في الطريق إلى تونس أو إلى مصر قبل أن يجد طبيبًا يشخص مرضه، ويحترق بيت المواطن فلا تصله سيارة الإطفاء قبل أن تأتي النار على البيت بكامله. وتسارع سيارة القمامة إلى منازل الوزراء والسفراء وكبار المسؤولين بينما تدع قمامة المواطن حتى تتفسخ وتتحلل أمام بيته، تنفق وزارة التعليمالمليارات عوضًا عن الملايين على تعليم أبناء الوزراء والمسؤولين وحتى الأغنياء، بينما يطالب أبناء المواطنين الذين لا يملكون سوى جهدهم بتجميع أجرة عاملة النظافة بالمدرسة.. وهلم جرا.
نخلص من ذلك إلى القول إن هذه المؤسسات تتعامل مع المواطن تعامل الكهنة مع الآلهة في الديانات الوضعية، تتغنى بها وتسبح بحمدها، لكنها لا تسمح لها بفعل شيء ولا الامتناع عن فعل شيء لتفعل كل شيء باسمها.