شرعيات وهمية.. واستفتاءات كيدية!!
بقلم/ د. مصطفى الزائدي
لقد كان من أهم التبريرات التي سبقت التحضير لأحداث 2011 وواكبتها، الحديث عن وجوب تكوين نظام ديمقراطي جديد بديل يستند إلى شرعية شعبية وفقا لمبدأ فصل السلطات والتداول السلمي على السلطة!
ورغم يقيني بأن كثيرا ممن رفعوا ذلك الشعار لم يفهموه كما هو ولم يخضعوه لنقد موضوعي بدراسة النماذج المختلفة من دول العالم الثالث التي تجرعت من الكأس الذي أسقاه الغرب إياها، ولم يدركوا حتى قابلية ذلك الشعار للتطبيق، ولا شك أنهم مكابرة منهم لم يمنحوا لأنفسهم فرصة لمقارنة موضوعية بنظام ديمقراطية المشاركة الشعبي الذي كان مطبقا ولو نسبيا في بلادنا ومهما كانت المأخذ عليه!
ومع ذلك لا شيء تحقق من تلك الشعارات، بل عمت الفوضى وحل الفساد وتقطعت أوصال الوطن وصار في كل ناحية مستبد أو أكثر، وأصبح السؤال الدائم من الكل رغم اختلافاتهم وخلافاتهم يدور حول شرعية ومشروعية الأجسام التي نتجت عن أحداث 2011 أيًا كانت تسمياتنا لها، والتي اتسمت بالديمومة والتفرد المطلق، بدءا من المجلس الانتقالي الذي يجهل الشعب وحتى النخب آلية تشكيله وشرعيته والحيثيات التي بنى عليها مجلس الأمن الاعتراف به كممثل وحيد للشعب الليبي.
ويرجع الجزء المهم من أسباب الفوضى التخبط الذي نحن فيه إلى ما صدر عن ذلك المجلس المشبوه والمشوه، والنموذج الأوضح الإعلان الدستوري وما نتج عنه من انتخابات صورية جرت في أوج حالات الصراع وفي ظل قوانين إقصائية حرمت أكثر من ثلث السكان من المشاركة فيه، أنتجت ما سمي المؤتمر الوطني محدود الصلاحية والمدة حسب قانون انتخابه العجيب الغريب حيث نص على أنه في حالة شغور مقعد عضو يحل محله المترشح الذي يليه، والحال مشابه لحواري الصخيرات وجنيف، فأغلب الليبيين يجهلون آلية اختيار أعضاء لجان الحوار المحدودة وشرعيتهم في تمثيل الشعب الليبي.
في هذا المجال قيل الكثير ويطول الحديث أيضا!
ما دعاني لإعادة طرح هذا الموضوع عزم المجلس الرئاسي المعين الذي شاب تكوينه شبهات فساد ورشاوى حسب ما ورد عن بعثة هيئة الأمم، عزمه إجراء استفتاء إلكتروني تكون نتائجه ملزمة بحل مجلسي الدولة والنواب، وتجميد الأحزاب وربما إقرار مشروع الدستور الكارثة الوطنية الخ من ما في جعبة جماعة المجلس الرئاسي!
لا شك بوجود قناعة واسعة بعدم جدوى مجلس النواب والدولة، وعدم رغبتهم في السماح للشعب الليبي لاختيار سلطات تحظى بشعبية وطنية، لكن السؤال البديهي الأول يدور حول شرعية المجلس الرئاسي الذي انتهت مدته الافتراضية قبل أكثر من عامين. وأيضا ما هي خارطة الطريق بعد الاستفتاء؟
لو كان المجلس الرئاسي جادا في البحث عن مخارج لكان عليه أن يستفتي الناس عن شكل نظام الحكم، وهذا موضوع فيه بعض خلاف، هل هو نظام جمهوري رئاسي أم برلماني؟ هل ملكي، أم هل هو إمارة إسلامية، أم نظام جماهيري؟ هل يقوم على حكم فيدرالي أم مركزي بحكم محلي واسع الصلاحيات؟ فلكل هذه النماذج أنصار وبأعداد لا بأس بها، إذا لنحسم هذا الأمر أولا ليتسنى صياغة دستور أو ميثاق ينظمه! ثم إجراء انتخابات عاجلة لاختيار سلطة تنفيذية وأخرى تشريعية ليتحقق فصل حقيقي للسلطات.
بعيدا عن نظرية المؤامرة، يبدو لي أن هناك أمورا تدبر بليل أهدافها ليس الخروج من الأزمة، بل إعادة الدوران في الحلقة المفرغة.
إن موقف المتفرج الذي تمارسه النخب والقيادات النقابية والمجتمعية، وحالة فقدان الأمل التي وصل إليها أغلبية أبناء الشعب تساهم إلى حد كبير في استمرار العبث الممنهج، وإفساح المجال لمن لا شرعية لهم لمحاولة إضفاء شرعيات على أنفسهم والدخول في حالة العبث المستدام برعاية رسمية من الدول الغربية الوصية على ليبيا التي تطلق على نفسها زورا المجتمع الدولي!
الحل الوحيد الممكن هو إقامة مؤتمر لإعادة تأسيس الدولة تشارك فيه كل الأطراف ويناقش الموضوعات المتعلقة بذلك بعيدا عن اقتسام السلطة بين النافذين، ويضع تصورات مقبولة لنظام الحكم الأمثل وأسس ميثاق التعايش السلمي والنظام الاقتصادي، وتصورات الحكم المحلي، وقضايا الأمن والدفاع.. الخ، تعرض نتائج المؤتمر على استفتاء حقيقي ستكون نتيجته مقبولة وملزمة لأنها تكون قد تولدت من حوارات جدية بين الليبيين بعيدا عن أطماع السلطويين وأيادي اللصوص وآذان العملاء!!