التحكيم المبتور كحلٍّ لانتهاء الخصومة التحكيمية
بقلم/ غادة الصيد
ظهرت فكرة أو مصطلح الهيئة التحكيمية المبتورة نتيجة تفشي ظاهرة تعمد بعض المحكمين إطالة أمد النزاع عن طريق المماطلة واللامبالاة أو اللاجدية في التعامل مع ملف الدعوى التحكيمية، فقد يؤخر أحد المحكمين أحيانا تقديم مذكراته أو رأيه، أو لا يشارك في المداولة، أو يقدم استقالته أو التنحي في آخر لحظة عند جاهزية الدعوى التحكيمية للفصل فيها – أي بعد قفل باب المرافعة – فهو يفعل ذلك من أجل عدم إصدار إحكام ضد الطرف الذي اختاره، فهو بهذا التصرف قد حاد عن دوره كمحكم ولبس ثوب محامي الطرف الذي عينه وهو ما يتعارض جملة وتفصيلا مع مهمته كمحكم.
إن هذه الأساليب التي يلجأ إليها بعض المحكمين شوهت التحكيم ومست أهم مميزاته – السرعة – إذ صار الفصل في القضايا يستغرق مدة أطول من التي تستغرقها الخصومة القضائية، وبالتالي فإن التحكيم المبتور هو حل عملي مباشر أساسه منح الشرعية لعمل محكمة التحكيم التي شاب تشكيلها عطب ما وهي تتأهب لإصدار الحكم التحكيمي عن طريق إضفاء حجية الشيء المقضي فيه لهذا الحكم، بغرض إتمام العملية التحكيمية.
إن اعتماد هذا الحل سيجعل المحكم يفكر مرارا قبل أن يضع نفسه في مأزق اعتبار وجوده كعدمه، ويفكر مليا في سمعته كمحكم التي ستتزعزع حتما بمثل تلك التصرفات، وبالتالي إمكانية عدوله عنها سيسهم بشكل واضح في عدم توقف الدعوى التحكيمية، مما يؤكد نجاعة اعتماد التحكيم المبتور، حتى من الجانب الوقائي والاحترازي عدا نجاعته كوسيلة لإنقاذ الخصومة التحكيمية، وعلى المحكم الذي قدم استقالته بغرض التعطيل تعويض الأطراف عن الأضرار التي لحقت بهم جراء إخلاله بواجباته المهنية والعقدية، وعدم التزامه بالاستقلالية من خلال تحيزه لأحد الأطراف وعليه تحمل تبعات إهماله وتقصيره، ورغم أن الهيئة المبتورة كحلٍّ هي استثناء عن التشكيلة السليمة لمحكمة التحكيم، فإن هناك حالات لا يمكن إعمالها رغم توفر ما يبررها ومن ذلك: إذا تشكلت هيئة التحكيم من محكم فرد فإن فكرة الهيئة المبتورة هنا لا يمكن إعمالها لأن تشكيلها من فرد واحد يعني إما اكتمالها أو عدم تشكليها أصلا، أما امتناعه أو تعسفه أو غيرها من الأسباب فيطبق عليها القواعد والنصوص الخاصة باستبدال المحكم إذا ما توافرت ظروفه ومبرراته حسب القانون واجب التطبيق.
عندما يمس البتر اتفاق التحكيم منذ البداية أي قبل أن نصل بالنزاع أمام هيئة التحكيم وهو ما يعرف بالبتر الكلي إذا تعلق الأمر باتفاق التحكيم الذي يقضي ببطلانه لأي سبب شرطا كان أو مشارطه، فيعود الاختصاص بالنزاع للقضاء لأن أي حكم تحكيمي في هذه الحالة سيكون باطلا طبقا للقاعدة (ما بني علي باطل فهو باطل).