الفكر والثقافة والتعلم من الأخطاء
بقلم/ المهدي الفهري
لا شك أن إنارة المسار للسلوك القويم هي الخطوة الأولى في طريق الاستقامة وتحقيق الذات، وأن الجهل أو التمادي فيه هو الخطوة الأولى للسير في طريق الظلام والضلال والضياع، وما نحتاج إليه فعلا هو الحرص على التعلم والمعرفة وتحقيق النجاح، وأن نكون أكثر وعيا حتى لو تكررت أخطاؤنا.
فمن النادر أن نمر في رحلتنا الطويلة وما تحمل من تناقضات ومواقف وظروف بدون ارتكاب أخطاء، وربما نكون قادرين على تفادي بعضها في بعض الحالات وبعض الأحيان، ولكننا لن نكون قادرين على تفاديها في كل حين، ومن الصعوبة أيضا ألا نكررها لا سيما وأن الأخطاء نفسها تتجدد وتتغير بتغير الزمن والعمر والتجارب والمواقع، ولا يمكن إيقافها بالمطلق، وكل ما نستطيع عمله في كل مرة هو الحد منها والقبول بأخفها وأهونها عوضًا عن التسليم بها والاستسلام إليها لنقص في الوعي أو عجز في الإدراك أو قصور في اليقظة والانتباه، ومن هنا تأتي أهمية فهم معنى قوة الفكر ومعرفة الإنسان بذاته وتفكيره وكيفية استخدام أدوات عقله ومكونات جسده العقلي لأجل تفعيل الأفكار المهمة وقدرته على التحكم فيها لتحقيق السلام النفسي له ولغيره والتعرف في نفس الوقت على ما يحصل وما يجري من تغيرات موازية من خلال أفكار جديدة وجيدة تضفي علينا أحيانا روحا رياضية مرحة تسهم في تجديد الطاقة الذهنية وتجلب إلينا نوعا من السعادة والتمتع بروح الرضا ونشوة الانتماء وتجعلنا نحس ونشعر معها بأننا جزء من الوطن ومن العالم، ولا تتركنا عرضة للإحساس بالانفصال عن المنظومة الكونية لأن مجرد شعورنا بالانتماء إلى هذا الوسط ينمي فينا روح الحماس والعمل لأنفسنا باعتبارنا مصنفين كطرف من هذا الفضاء الواسع والشاسع الذي يربط بين الآدميين ويعطي لنا الشعور بأهميتنا في رحاب هذا الكون عبر اكتشاف الطرق الأكثر سعادة والأكثر إيجابية التي تمكننا من عبور الصراط والدروب التي كُتب علينا عبورها وفق قواعد الحياة وتسهل أمامنا الوصول إلى أهدافنا وغاياتنا من خلال معطيات أكثر نضجا وأكثر نجاعة، وهذا ما يسوقنا ويذكرنا أيضا بما أشرنا إليه في موضوع سابق تحت عنوان قوة الثقافة وكيف نحقق الفعل الثقافي النوعي الذي يجدد للإنسان قيمه ويحرر عقله ووجدانه من الخلط والالتباس والاستلاب لنعيد طرح وتكرار السؤال بصيغة أخرى كيف نستطيع تحويل قوة الفكر إلى معرفة تزيل عنا الهموم وتدفع عنا الأذى؟ فمن يفكر بشكل سليم وصحيح فسوف يتوقف عن التألم إلى الأبد كما يرى بعض المفكرين، وهذا هو ما يعطي القيمة والأهمية لقوة الفكر وقوة الثقافة ودورهما في امتلاك المعرفة والوعي ورقي المجتمع ورفع المعاناة عنه.
وإذا كانت الحكمة من دراسة الفلسفة هي أن تجعل من عالم القيم موضوعا ذا قيمة فإن الغرض من دراستها هو تخفيف الوجع والألم عن الناس من خلال تحليل الواقع ومساعدتنا في علاج بعض الصعوبات التي تواجهنا في الحياة الشخصية والعملية وتحسين حياتنا لنحيا بشكل أحسن وأفضل، وأن اللجوء والعودة إلى الحكمة ذاتها سيؤدي حتما إلى إيجاد قواسم مشتركة للعيش، وفتح مسارات ومسالك للسلام والوئام والتضامن بين بني البشر وتجنب الوقوع في الأخطاء.