الشباب الليبي بين رالي ودان ومواجهات الحمادة وتضييق الظلاميين
بقلم/ محمد جبريل العرفي
الأسبوع الماضي عبرت ثلاثة أحداث متناقضة عن حالة شبابنا، أولها: احتضان درة وسط عقد ليبيا (الجفرة) لرالي (تي – تي) من أجل السلام، وبرعاية رئاسة أركان القوات البرية، والتقاء حوالي 80.000 شاب، هواة ومحترفين ومتفرجين، من أنحاء ليبيا كافة وبعض العرب، بأجواء الحماس والمنافسة والتسلية والألفة، أسدلت الستار على مرحلة الاقتتال السوداء، فهذه ثالث مرة يعبر الليبيون عن وحدتهم – السابقتان كانتا اختطاف وتسليم بوعجيلة المريمي، وفيضان الجبل الأخضر – فالليبيون يفرقهم الأجنبي وعملاؤه والنهابون.
بدأ الرالي بتخييم صحراوي، وصفه أحدهم (ليبيا كلها زاردة) واستمر ثلاثة أيام تخللته السباقات الرياضية والحفلات الغنائية والأمسيات الشبابية، وعرض للموروث الليبي، وكأن القدر أراد تذكيرهم بمأساتهم السابقة، فانحرفت سيارتان عن مسار السباق، والذي طهرته الهندسة بالقوات البرية من الألغام، فداستا على مخلفات الاقتتال وحرب داعش، أدى أحدهما إلى استشهاد الكوم وجرح ثلاثة آخرين.
تلك الحوادث لم تثن الشباب عن مواصلة الرالي وكأنهم يقولون: “سنواصل مسيرتنا رغم العقبات”، 64% من أراضينا مهددة بالألغام ومخلفات الحروب، بعضها منذ الحرب الأوروبية الثانية، ونصت معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة الليبية الإيطالية 2008 على الكشف عن الألغام ومعالجة المتضررين منها.
فلسطين كانت حاضرة بأعلامها وهتافاتها، وكأن الشباب يستذكرون مجد أجدادهم في معركة قارة عافية 31 أكتوبر 1928 حيث تنادى 50 مجاهدا من كل ليبيا، لمواجهة 1078 من الإيطاليين فقتلوا منهم الكثيرين، استخدم العدو الطيران، واستشهد علي سيف النصر وقضوار السهولي بعد أسره للعقيد (اماتو). المرحوم محمود بوقويطين كان شاهدا على المعركة، ثم أعدم الإيطاليون 19 مواطنا، فما فليبيا قبل قرن كغزة اليوم، وما أشبه قضوار بالسنوار، وتحصل المتسابق سيف الدين التمتام على المركز الأول وجائزة قيمة تمنح لأول مرة في راليات ليبيا.
ثانيها: غربًا حيث تسيطر حكومة النكبة الوطنية، يُدفع بالشباب للاقتتال صراعًا على مناطق النفوذ والسيطرة، بين مجموعة 444 بإمرة حمزة، مسنودا بمجموعة 111 بإمرة زوبي، وبين فرع جهاز حرس المنشآت النفطية وحرس الحدود، اقتتال داخل جيش رئاسي جنيف، وذلك تحقيقًا لمصلحة الأجنبي في السيطرة على حقول النفط والغاز، وتهريب المرتزقة، وإن كان ظاهرها مكافحة التهريب والمخدرات والتجارة بالبشر.
ثالثها: وبين الواقعتين يطل الظلاميون بتحريم الرالي، حيث نشرت صفحة تسمى (الدعوة السلفية بليبيا)، يوم 2024.11.7 فتوى للوهابي ابن عثيمين، “بأن الراليات حرام لوجود مخالفات شرعية”، في كراهية عميقة للترفيه، ليعيش الشباب في أجواء القسوة والقتل والتكفير، قالوا الرالي يلهي عن الصلاة، بينما شاهدنا شابًا يرفع الأذان وسط المخيم. هذا الفكر الدخيل منبوذ، فالتعليقات على المنشور إلى حينه أكثر من 570 معارضا مقابل 6 مؤيدين فقط.
تزداد الخطورة عندما يجد الظلاميون جهة رسمية يستخدمونها سوطا وسيفًا لتحقيق أجندتهم، مثلما فعل وزير داخلية الدبيبة، الذي هدد بالتدخل في حلاقة الشباب ولباسهم واختلاطهم، لتحويل ليبيا لطلبان أفريقيا، مثلما أورد الصحفي الأفغاني، حبيب توتخل، “أن ليبيا تطرح قانونًا مماثلًا لقانون طالبان”، كما قالت صحيفة (تليجراف) البريطانية “ليبيا تستحدث شرطة أخلاقية على غرار طالبان، حيث صرح وزير داخليتها بأن الحرية الشخصية غير موجودة هنا، والذين يسعون إليها فليذهبوا إلى أوروبا، الدبيبة يمارس القمع تحت ستار الحفاظ على الأخلاق”، ستكون ردات أفعال الشباب قوية، مثلما أدى التضييق على النساء لظهور طالبة في حرم جامعة آزاد الإيرانية مطلع هذا الشهر شبه عارية، ولن يقوى الوزير على تنفيذ تهديداته، فقبل شهرين قال إنه سيخلي طرابلس من الميليشيات ثم تراجع.
بعد إلغاء التشريعات المخالفة للشريعة كانت هناك ضرورة لشرطة آداب تمنع ممارسات الدعارة وتعاطي الخمور، لكن الطرابلسي تجاوز صلاحياته بتنفيذ إجراءات مخالفة للتشريعات والأعراف والتقاليد، فالاعتداء على حقوق وحريات المواطنين، وتعريض الشباب للتضييق مخالف للدين والعرف والقانون، وعبارة “الله غالب” تعتبر ضوءًا أخضر للسماح للشرطة باستغلال سلطاتهم، دون وازع أو عقاب.
إنها محاولة لفرض فكر ظلامي دخيل على المجتمع الليبي، ففرض الحجاب على الأطفال بداعي درء الفتنة، أمر لا يوجد إلا في العقول المريضة للجماعة التي يغازلها الطرابلسي بتصريحاته والدبيبة بقراره 422/2024 كعربون لكسب ولائها في صراعات ميليشياوية يتوقعانها، كما أن فرض الحكومة الليبية لكتاب مادة إسلامية بمنهج مختلف عن المذهب السائد في ليبيا، يدخل المناهج في دوامة الصراع السياسي والانقسام، ويشوش عقول النشء ويزرع بذرة لصراع طائفي بالمجتمع الليبي المتجانس التابع لمذهب واحد وسطي متسامح.
إن تغول الوهابية والتضييق على الصوفية، يصبان في مصلحة جماعة الإخوان، مما يدفع إلى التوجس أن وراء هذه الإجراءات جماعة الإخوان، ليضعوا الليبيين في زاوية الاختيار بين الوهابيين الظلاميين المقلدين ضيقي المعرفة، المضيقين على الناس، وبين الإخوان المسلمين المؤهلين، الذين لا يتدخلون في الحريات الشخصية، الإخوان يدركون لو استولوا على السلطة سيعتبرهم الجاميون ولاة أمر متغلبون.
تحررت بلد منشأ الوهابية من فكرهم الظلامي، فأودعوا دعاتها السجون ومُنعت فتاويهم وكتبهم، وبدأت تنقية التراث من الأحاديث الموضوعة، مما يحتم حماية شبابنا منهم، بتنقية السلفية الدعوية من شوائب الوهابية، وأن تترك الفضيلة لوصاية الأسرة، وعرف المجتمع، ووازع الدين، “إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ”، و”ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ”.