مقالات الرأي

شارل أبدو الطرابلسي 

بقلم/ ناجي إبراهيم

أعلم علم اليقين أن الخوض في موضوع الدين كما يراه بعض ممن نصبوا أنفسهم حراسا عليه دخول لعش دبابير، وعلى الرغم من أن الموضوع لا يدخل في صلب العقيدة وليست له علاقة بنقاش موضوع قد حسم قبل خمسة عشر قرنًا على وفاة آخر الرسل (صلى الله عليه وسلم) وتبين الغي من الرشد، لكنه يرتبط بسياسات وترتيبات بشرية ألبست بثوب ديني، ولن نخوض في محاججة حول صحة ومصادر الأسانيد التي أنتجت تنظيمات القاعدة وداعش وقبلها الفكر (الإسلامي) الظلامي الذي رفع شعارات دينية فتحت بوابات لدخول المخابرات الأجنبية وتحويل المنخرطين في هذه التيارات إلى متفجرات ومرتزقة تخوض معارك الاستعمار بالوكالة وتنفيذ مشاريعه في منطقتنا التي من بينها شيطنة الإسلام وتشويهه وضربه بأيادي أبنائه.

الإيمان علاقة خاصة بين الخالق والفرد، والحساب يوم القيامة شخصي، (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه)، ولم يبعث الله الرسل إلا لتبيان صحيح العقيدة (فمن يشاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ولم يبعث معهم شرطة آداب، وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الله الكفر كفر”، وقوله تعالى (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)، وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء والإيمان لمن أراد، وإنما هو تهديد ووعيد، أن مثل تلك الممارسات هي ترتيبات بشرية لحفظ الأمن ومواجهة الخارجين عن القانون، فلا يمكن أن تنسب إلى الدين ليجد فيها المرضى منفذًا لتكفير المجتمع وتعطي للمتطرفين مبررا لقطع الرؤوس والأطراف.

وعندما تتحالف الداخلية والهيئة العامة للأوقاف الذي ظهر في خطبة الجمعة التي أعقبت تصريحات وزير داخلية حكومة جنيف انتظروا موجة من القمع والتضييق على الحريات العامة والخاصة، وستشهدون انتشارا لجماعة الحسبة (جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في ثوب ما أطلق عليه الوزير (شرطة الآداب) ما يفتح الباب أمام الجماعات التكفيرية من السيطرة على الشارع والمؤسسات العامة من بوابة الداخلية بعد سيطرة الفكر الوهابي التكفيري على المنابر بدعم ميليشيات الأوقاف التي تتبنى خطابًا متخلفا ورجعيا يعيد إلينا معارك الماضي ويغض الطرف عن معاركنا ومواجهاتنا مع الاحتلال الذي يستبيح بلادنا وينهب ثرواتنا، ويرتكب أبشع الجرائم ضد شعوب الأمة في فلسطين ولبنان.

تصريح وزير الداخلية الذي جاء بتحريض من الجماعات الإسلامية التي تسيطر على القرار من خلال ميليشياتها في طرابلس والمنطقة الغربية هو محاولة لإشغال المجتمع الليبي عن معركته الحقيقية والواجبة ضد مصادرة الإرادة الليبية، وضد التواجد العسكري الأجنبي على الأراضي الليبية وضد التدخل في الشأن الداخلي الذي تمارسه السفارات، وخلق معارك جانبية وغير واجبة وتقسيم المجتمع إلى كفار ومسلمين، لخلق مناخات تطيل عمر الاحتلال العسكري لبلادنا، ولا نستبعد أن تكون هذه الخطوة بإيعاز من القوى الدولية والإقليمية المتدخلة في الشأن الداخلي الليبي، لتحويل ليبيا إلى ما يشبه أفغانستان قبل التدخل الأمريكي عام 2001 لتقديم صورة مشوهة للإسلام لتبرير تواجدها وتدخلها لمحاربة التطرف والإرهاب وسط مجتمع منقسم ومتناحر.

ولا يستبعد أن نشهد جماعات متطرفة كالتي ظهرت في أفغانستان تدمر الحضارة الإنسانية بحجج الحرب على الأوثان والأصنام قد تكون المدن التاريخية في لبدة وصبراتة هدفا مستقبليا للتدمير مثلما دمرت ومسحت الأضرحة في جميع مناطق ليبيا لما تمثله من قيمة تاريخية وحضارية وترتبط بالوجود المادي لليبيين الذي يسبق قيام الولايات المتحدة بآلاف السنين، ما أقدم عليه وزير داخلية الدبيبة يفوق في خطورته ومآلاته ما أحدثته الرسومات المسيئة للنبي عليه السلام التي نشرتها الصحف الفرنسية ويرسخ الصورة النمطية عن الإسلام الذي تحتفظ به ذاكرة الغرب وتحويل الإسلام هذا الدين العظيم إلى مجرد قطعة قماش.

ما قدمناه ليس خيالا علميًا أو سيناريوهات متوقعة، ولكنه معايشة للواقع ودراسة معمقة لتجارب سابقة ومعرفة بنوايا ومخططات الغرب الاستعماري الذي يستخدم كل الوسائل من أجل السيطرة على منطقتنا ودون أن يدفع ثمنا لذلك إذا وجد من يمهد أمامه السبل ويحمي تواجده. إن ما يسعى إلى تطبيقه وزير الداخلية يتعارض مع شعار رفعته جميع حكومات (فبراير) إقامة الدولة المدنية التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق رجالا ونساء ولا يحق لأحد أن يصادر تلك الحدود إلا بحكم قضائي بات ونهائي وغير قابل للطعن، وما يجري هو مطاردة للمواطنين على نواياهم وليس أفعالهم، وهذا يشكل تهديدا لحريات الناس وجب مقاومته ووضع حد له.

Back to top button