أصوات للوكالة
بقلم/ عفاف الفرجاني
كدول عربية أصابها الوهن، اخترنا أن تحل مشكلاتنا بالوكالة، حتى أن قضايانا المصيرية أصبحت تحل بالوكالة.
ما قادني إلى الكتابة في هذا الشأن حال الجالية العربية المسلمة في أمريكا وتخبطها وانقسامها أثناء ماراثون الانتخابات الأمريكية، فهذه الجالية التي خلقت حروبا داخلية فيما بينها وانقسمت بين المؤيد والمعارض للديمقراطيين والجمهوريين وحسمت لصالح الأخيرة، العرب هنا يؤكدون على مبدأ الوكالة حتى في حقهم المشروع، حيث لم يكن لهم أي خيار آخر غير التصويت للمرشح الذي يدغدغ أحلامهم في رجوع أوطانهم، فبحكم الخيبة التي عاشها العرب في المهجر وحسرتهم على بلدانهم، وأمام الفشل الذريع للإدارة الأمريكية السابقة بقيادة جو بايدن في الضغط على تل أبيب لوقف الحرب على فلسطين ولبنان، وفك الحصار على غزة، كان على العرب أن ينتقموا لأنفسهم من هذه الإدارة فأعداد العرب في أمريكا تشكل فارقا في الانتخابات، وحدها ولاية ميشيغان الأمريكية خصص لها ترامب حملة انتخابية تعد واحدة من أكثر الحملات الانتخابية وأقواها في القارة لأنها تحوي عددا كبيرا من الجالية العربية المسلمة، فاز ترامب فيها بنسبة 42.5% من الأصوات مقابل 36% منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، التي ركزت في حملتها الانتخابية على أمور لا تشغل المواطنين، وخاصة الجالية العربية المسلمة، كسياسات الهوية والإجهاض والمثلية، رغم أن السياسة الداخلية لترامب لا تبدو مطمئنة إلا أن العرب يتعلقون بقشة طالما سيأتي الفرج بالوكالة، رغم أنه في تقديري الشخصي لن يحدث فوز ترامب فرقًا كبيرًا تجاه القضية الفلسطينية تحديدا والحرب اللبنانية مع الكيان الصهيوني، لأنه فيما مضى الإدارتان كانتا متحيزتين تماما لصالح الكيان، حتى أن الجمهوري ترامب وفي حملته الانتخابية، لم يحدد آلية التعامل مع الحرب على غزة ولبنان، ولن تختلف سياسته الجديدة عن فترة ولايته الأولى، بل استكمال مشروعه الأول، فهو لم يلق بثقله في حل القضية الفلسطينية إلا أنه فضل استعمال المسكنات بدل العلاج.
هؤلاء العرب والمسلمون الذين يتجاوز عددهم الخمسة ملايين نسمة في أمريكا لو اعتمدوا على قدراتهم في حل الصراع العربي الصهيوني لنجحوا من خلال الضغط السياسي تجاه الإدارة الأمريكية، أيًّا كان الحزب الحاكم فيها، بوقف دعم الكيان الصهيوني لنجحوا، فالجالية اليهودية في أمريكا لا يهم عندها أي الحزبين سينجح، فالنتيجة واحدة بالنسبة إليها، فمثلا التصويت لترامب سيكسبها المعركة بحلول سلمية تضمن لها الفرصة لتوسيع “اتفاقيات إبراهيم” (التطبيع) التي سهلتها إدارة ترامب الأولى والتي نتجت عن تطبيع العلاقات مع 4 دول عربية، فهكذا يكون الحل السلمي للحرب كما ترغبه أمريكا. وستزداد الضغوط على إيران بإعادة تركيز الجهود لمواجهتها، وتفعيل حملة “الضغط الأقصى” التي سنها ترامب خلال ولايته الأولى التي زادت من عزلة طهران سياسيا وشلت اقتصادها، حتى انتهاء فترة ولايته في عام 2020 والتي استأنفت فيها طهران تخصيب اليورانيوم، وزادت صادراتها من النفط، وكثفت من دعمها للمقاومة الفلسطينية، حتى أنها قامت بضرب إسرائيل في هجوم مباشر وصريح.
أيها الناخبون العرب ما تأمله الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب هو توسيع اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط وفق المزيد من التطبيع، فمشروع ترامب في الشرق الأوسط لن يتعدى فكرة “أمريكا أولا”، هو القائم على الحد من إهدار الموارد العسكرية الأمريكية وتركيز سياسته على الوقوف في وجه المد الصيني الروسي، وهذا ليس له طريق إلا إمداد إسرائيل بالوسائل لمقاتلة أعداء أمريكا وتشجيع دول المنطقة على تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني ليكتب في نهاية المطاف الإدارة الأمريكية تصل بحل سياسي مرضٍ للطرفين بإيقاف الحرب.