“يهود يقولون الحقيقة مهددون بالقتل”
بقلم/ محمد العماري
يجب إن نبحث عن اليهود الذين يقولون الحقيقة عن فلسطين، نقف إلى جانبهم ونشيد بهم لا في وسائل إعلامنا أو نتصل بهم، وهم لا يجاملوننا ولكن هو قول الحق ذاته، وهم كثر يتكلمون من داخل الكيان الصهيوني ومن خارجه، فهذا شلوموا أستاذ التاريخ في جامعة “تل الربيع” يتحدث إلى طلابه ويكتب “أختراع الشعب اليهودي” أحد مؤلفاته، مهدد بالقتل من الإسرائيليين لأنه قال الحقيقة، في كتاب أثار ضجة عنيفة في إسرائيل، وهو لم يكن الأول ولا الأخير، أتهم كذباً بالعداء للسامية ولإسرائيل وبالنازية، أرسلت إليه طرود بمواد كيماوية حارقة، حتى أنه بات يخشى على نفسه من القتل، أين نحن منه؟.
“نورمان فلنكشتاين” مؤلف كتاب “صناعة الهولوكوست” وإسرائيل شاحاك مؤلف “الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة”، “آرثر كوستلر” مؤلف كتاب “إمبراطورية الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة”.
كتابه الثاني بعنوان “أختراع أرض إسرائيل” صدر مؤخراً بالعبرية في الكيان الصهيوني ولم تتم ترجمته بعد إلى اللغة العربية، “أختراع الشعب اليهودي” صدر في إسرائيل عام 2008 وترجم إلى العربية، وهو غوص في التاريخ لإثبات قضية أساسية وهي “أن لا وجود للشعب اليهودي” وهو يتساءل فيما لو أن اليهود في العالم كانوا حقاً “شعب” فما هو الشيء المشترك في مكونات الثقافة الإثنوغرافية ليهودي في كييف ويهودي في المغرب؟ غير الاعتقاد الديني وبعض الممارسات الدينية.
يتحدث الكاتب وفي استعراض تاريخي عن مفاهيم مثل (الأمة) و(الشعب) و(القومية) و(الإثنية)، والتي اتخذت معانٍ ودلالاتٍ لا تحصى، وأحياناً متناقضة وأحياناً اخرى مكملة أو مرادفة، ويقول الكاتب إنه على مر2000 عام لم يكن اليهود شعباً، إذ لم تربطهم سوى الثقافة الدينية وحتى اللغة كانت مختلفة، وهي لغات الأوطان التي كانوا يعيشون فيها، يتحدث الكاتب بالتفصيل في مؤلفه عن المؤرخين اليهود الذين وبجرة قلم اخترعوا وجود هذا الشعب عنوة في ظل تبلور الحركات القومية في أوروبا واختلقوا له لغة وهي لهجة عربية قديمة، يحاولون تخليق قومية له وهو عبث فللقومية شروط.
أما عن تهجير اليهود بالتزامن مع دمار الهيكل الثاني في سنة 70م فيقول: (إنها أسطورة مسيحية تسربت إلى الإرث اليهودي، وجرى استنساخها بقوة داخل الفكرة الصهيونية)، فالرومانيون لم يقوموا قط بنفي (شعوب) الى خارج اراضيهم، كذلك فإن الآشوريين والبابليين لم يلجأوا في تاريخهم إلى إبعاد السكان الخاضعين لاحتلالهم قاطبة، يؤكد أن مصطلح (منفى) وصف في القرن الثاني والثالث الميلاديين لبعض الاشخاص، وقد عنى عملية استبعاد سياسية للبعض وليس عملية اقتلاع من البلاد.
أن شعب الإسكندرونه مهما طال الزمن هو جزء من الشعب السوري، وأن شعب الأحواز مهما استعمرته إيران حياتي يوم ويرجع إلى أصله الشعب العربي، هكذا الشعب الموري وشعب جبل طارق وشعب سبتة ومليلية وجزء من الشعب التشادي والنيجري والمالي .. إلخ، الآن نحن ضعفاء ليس مادياً بل معنوياً.
يتطرق المؤلف إلى بداية نحت الزمن اليهودي مستعرضاً كافة الكتب التي تبحث في التاريخ اليهودي سابقاً ولاحقاً، مبيناً أن تاريخ الأيزرائيليم للكاتب (يوست) هو أول كتاب بذل فيه جهد متناغم لاختراع (الشعب اليهودي)، بينما أضحى مصطلح (شعب) يتضمن جزئياً المعنى المعطى لــ(الأمة العصرية)، يؤكد أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب على وجود الدين اليهودي، ولكن ليس هناك ما يسمى (بالشعب)، ونحن لا نختلف معه في هذا الطرح، وقد اعلم الاخ القائد من بداية ثورة الفاتح ان اليهود العرب يستطيعون العيش معنا ولهم كافة الحقوق وعليهم كل الواجبات.
كذلك فإن التاريخ اليهودي الذي يقول إن الشعب اليهودي قائم منذ نزول التوراة في سيناء، وأن الإسرائيليين هم ذلك الشعب الذي خرج من مصر واحتل أرض إسرائيل لكونها (الأرض الموعودة)، وأقام مملكتي داود وسليمان وانشأ مملكة يهودا ومملكة إسرائيل ثم تشرد في الديسابورا بعد دمار الهيكل الثاني، لكنه لم يذب في الأغيار هي (رواية غير موثوق فيها) بل انتفت تماماً.
يتضمن الكتاب أيضاً اعتماد زعماء الحركة الصهيونية على المؤرخين المزورين في اليهودية، الذين زيفوا الحقائق وفقاً للأهداف السياسية ومنهم يحزقئيل كويفمان الكاتب المفضل لبن غوريون، كما يوضح أن احتلال عام 1967 فتح مجالاً كبيراً للحفريات في القدس والضفة الغربية، رغم أنه لم يكن من علماء الآثار الإسرائيلين مخولين حسب القانون الدولي بالحفر والتنقيب عن الآثار في المناطق المحتلة، رغم كل ما حاوله علماء الآثار الإسرائيليون لم يجدوا فعلياً أي آثار تثبت وتعزز الإدعاءات الصهيونية، لكننا لم ننس ان صاحب فكرة بناء (المنازل) هو رجا أعمال إماراتي أشترى بعض الأرض وبنى عليها المساكن ثم سلمها لليهود.
يوضح الكاتب كيف حرصت الصهيونية وإسرائيل على أختراع وعي جديد لليهود بكل ما يتطلبه من رموز قومية مثل: العلم، النشيد القومي، لباس وأبطال ولغة والطوابع البريدية، باعتبارها أدوات مهمة لاختراع الشعب الذي أدى إلى تحول في مفهوم جديد هو (الشعب الإسرائيلي)، وحُوِلَ أخيراً إلى (شعب يهودي) في سلسلة من التحولات التي حرصت الصهيونية على استكمالها.
لذا فإن (دولة إسرائيل) في طريقها إلى التحول إلى (دولة اليهود) أو دولة الشعب اليهودي، في كتابه يتطرق إلى اليهود في شبه الجزيرة العربية، ويتبين أن كثيرين اعتنقوا الديانة اليهودية في شمال إفريقيا وإسبانيا ومناطق مختلفة كثيرة في العالم بما فيها مملكة الخزر في آسيا، وهذا يدحض الإدعاء بأن الدين اليهودي لم يكن ديناً تبشيرياً، بل ظل محصوراً في (العرق) الذي اعتنقه منذ بداياته، بالتالي لا وجود لتجانس بيولوجي بين اليهود كتابه المعنون بـالتضخيم والإقصاء.
سياسة الهويات في إسرائيل:
يتطرق الكاتب إلى السياسة العنصرية في إسرائيل، من خلال تأكيد وثيقة الاستقلال الإسرائيلية، والذي تنص على المساواة التامة في الحقوق اجتماعياً وسياسياً بين جميع رعايا إسرائيل، دون التمييز من ناحية (الدين والعرق والجنس والإيمان بحرية العبادة والضمير واللغة والتربية والتعليم والثقافة)، (وثيقة الاستقلال في إعلان إقامة دولة إسرائيل عام 1948)، ثم يبين التناقض بين ما جاء في الوثيقة وبين النص التالي: (تحظر المشاركة في الانتخابات للكنيست على أي قائمة إذا كان في أهدافها أو أعمالها أي بند من البنود التالية)
أولاً: نفي كيان دولة إسرائيل بصفتها دولة الشعب اليهودي.
ثانياً: نفي طابع الدولة الديمقراطي.
ثالثاً: التحريض على العنصرية يبين شلومو أن الهدف من كتابة مؤلفه هذا: جعل الإسرائيليين يؤمنون (بأن إسرائيل دولة لجميع مواطنيها) فهو ينادي بقيام دولة ديمقراطية ثنائية القومية تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، هو يعتقد أن من السخف والبلاهة مطالبة اليهود الإسرائيليين بتصفية دولتهم، لكن عليهم أن يكفوا عن الاحتفاظ بها لأنفسهم كدولة منغلقة، تمارس الإقصاء والتمييز بحق جزء كبير من مواطنيها وترى فيهم غرباء غير مرغوب فيهم.
في الوقت نفسه وإدراكاً منه لصعوبة ذلك يتساءل: من سيجرؤ على إلغاء قوانين العودة واختزالها بحق اللجوء للاجئين المشردين إلى إسرائيل، ومتى يتخلص اليهودي من الصورة العميقة التي تنسبه إلى (شعب مختار)، والكف سواء باسم تاريخ زائف أو بواسطة بيولوجيا خطيرة عن تفخيم الذات وإقصاء الآخر.
التعليق هو أن من المستحيل على الحركة الصهيونية أن تتخلى عن المضامين التي جاءت بها، كما أن من المستحيل على إسرائيل أن تتخلى عن الصهيونية والعنصرية والعدوان والقتل، شلومو مؤلف الكتاب هو احد اليهود الذين يقولون الحقيقة مثل نورمان فلنكشتاين وإسرائيل شاحاك وارثر كوستلر وغيرهم، ما جاء به شلومو كان قد طرح قسماً كبيراً منه الراحل حديثاً روجيه غارودي مؤلف كتاب القيّم (الأساطير المضللة للسياسة الإسرائيلية)، علينا تشجيع هؤلاء الكتاب والشد على أيديهم.