سيناريوهات مقلقة
بقلم/ محمد بوخروبة
لا يستطيع عاقل أن يتصور أن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم قابلة للاستمرار، كل يوم يمر على هذه الحالة البائسة جدًّا التي نعيشها تعقد الوضع أكثر، وتجعلنا نتجه إلى المجهول، ولا يبدو أن هناك جهودًا كثيفة، أو حتى ضئيلة، تبذل من قبل أحد للخروج من مربع الحرب وتداعياتها، فكل يوم يمر على هذا الواقع المخيف، ليس لصالح الشعوب العربية، كما أن انقسام المجتمع شاقوليا إلى أغنياء مترفين جدًّا، وفقراء على حافة الجوع، نهايته وخيمة، ولا يمكن أن تستمر إلى أمد بعيد، حيثما يممنا النظر، في القارات القديمة الثلاث أسيا وأفريقيا وأوروبا، نتابع أخبار حروب تزداد تصاعدًا، لعل الأبرز بين هذه الحروب، الحرب في السودان وقد بدأت في 15 أبريل 2023 وأطرافها قوات التدخل السريع بقيادة محمد حمدان (حميدتي) والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقد تسببت في نزوح الملايين من السودانيين إلى خارج وطنهم، في ظاهرة لم يعرف لها تاريخ السودان المعاصر مثيلا، كما تسببت في انتشار الأمراض والأوبئة، والجوع وانتهاك الأعراض، وانفلات الأمن، وليس في الأفق ما ينبئ بقرب نهايتها، والحرب التي أطلقت عليها حكومة الرئيس بوتين بالعملية الخاصة ضد أوكرانيا. واشتعلت منذ 24 فبراير عام 2022، ورغم أن الفاعلين المباشرين في الحرب، يتمثلون في الحكومة الروسية بقيادة الرئيس بوتين، وأوكرانيا بزعامة زيلينسكي، فإن التدخل الغربي فيها بات أكثر وضوحًا ومباشرة، وليس هناك أي أفق لوقف هذه الحرب، ولهذه الحرب عمق تاريخي، يتمثل في كون أوكرانيا ذاتها، لفترة طويلة جزءًا من روسيا القيصرية، ومن الإمبراطورية السوفييتية لاحقًا، والحرب على غزة، التي بدأت إثر انطلاق ما عرف بطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام 2023، ولهذه الحرب علاقة مباشرة بالاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، الذي أخذ مكانه في حرب الأيام الستة، التي أطلقتها إسرائيل، ونتج عنها احتلال الضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان السورية، وشبه جزيرة سيناء، وأيضا تراجع الحكومة الإسرائيلية عن اتفاقية أوسلو، التي جرى التوقيع عليها، الحرب في لبنان، بدأت في شكل مساندة لقطاع غزة، والمطالبة بإيقاف حرب الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، لكنها تطورت لاحقًا بعد حملة الاغتيالات الواسعة، حتى تحولت إلى حرب شاملة، اعتبارا من 30 سبتمبر عام 2024، فما علاقة هذه المقدمة بموضوع التحولات في النظام الدولي المرتقب؟
كان من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية، هو استقلال معظم أقطار الوطن العربي، وتربع الدب القطبي واليانكي الأمريكي، على عرش الهيمنة الدولية، حيث بات العالم، حتى سقوط حائط برلين في نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم، يحكم بثنائية قطبية أمريكية سوفييتية، ومنذ سقوط تلك الثنائية، باتت الولايات المتحدة، المتربع الأوحد على عرش الهيمنة العالمية، لكن العودة السريعة للدب القطبي، واستيقاظ التنين الصيني، وصعوده الاقتصادي الكاسح، قد خلقا واقعًا دوليًّا جديدًا، يصعب تجاهله، إن ذلك يعني أن الولايات المتحدة، لم تعد وحدها في الساحة، إلا أن التسليم بذلك منها ليس أمرًا سهلًا، ولا يمكن أن يعيد التاريخ نفسه، بإشعال حرب عالمية ثالثة، تحسم عملية الانتقال إلى نظام دولي جديد، فمثل ذلك الأمر بات عملًا مستحيلًا، بسبب تفاقم القدرات النووية لدى الفاعلين في صناعة القرارات الأممية، ولو حدث مثل ذلك لا سمح الله، فإنه سيكون فناءً محتمًا للجنس البشري بأسره، ولذلك كانت حروب الوكالة هي البديل عن تلك الحروب.
وحروب الوكالة، تقتضي اعترافًا صريحًا من القوى الكبرى، التي تشعلها بتراجع قوتها، في حساب موازين القوة، بما يقتضي التوصل إلى تفاهمات ضمنية يعترف فيها كل طرف بمصالح الأطراف الأخرى، وهو ما لم يتحقق حتى يومنا هذا، والبديل عن ذلك هو سيادة الانفلات واتخاذ حروب الوكالة أشكالًا جديدة مغايرة، لما كانت عليه في السابق، وستستمر الفوضى، في بلدان العالم الثالث، ما لم تتمكن شعوبه من الإمساك بمقاديرها، وتؤمن استقلالية قراراتها، وتتخلص من تبعيتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية للقوى الكبرى، وما لم يتحقق ذلك، فإن البديل، هو استمرار الصراعات والحروب، بمختلف أشكالها.