آداب.. شرطة الآداب!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
الرذيلة والاستهتار بالآداب العامة وضرورة مقاومتها أمر ربما ليس عليه خلاف عميق بين الليبيين، فلقد وصل الأمر فعلًا إلى حد خطير، لكن الخلاف يدور حول تعريفها وتحديد أسبابها وتوصيفها وسبل مواجهتها.
لا يمكن أن تعرف الرذيلة بنوع لباس الشباب من الذكور والإناث وطريقة حلاقة شعرهم والجلوس معًا في المقاهي العامة أو في فصول الدراسة أو في قاعات الجامعات والمكتبات والحدائق العامة وما إليها، فتلك أمور من طبيعة الإنسان، وليست مقياسًا لأخلاق الأفراد وقيم المجتمعات، الرذيلة في نظر الكثيرين هي الفساد الذي ينخر المجتمع بكل أشكاله وأنواعه من سرقة المال العام والخاص وتجارة المخدرات إلى الاستهتار بحياة البشر، فهي أفعال موصوفة بالرذائل في كل الديانات والأعراف منذ ظهور البشرية الأولى، وهي أيضًا من أهم أسباب بعض سلوك الأفراد الشاذة عن سلوك المجتمع العام.
من البديهيات القول، إن الإنسان مخلوق حر مضطرٌّ إلى العيش في مجتمعات ليتمكن من توفير حاجاته وسبل الحياة الكريمة والتطور المستمر لمواكبة تطور الحضارة، تلك المجتمعات تنظمها مجموعة قيم وأعراف تتوافق عليها طوعًا ولا تقبلها إجبارًا، وستكون أي ممارسة للحرية على حساب الترابط المجتمعي نوعًا من المفاسد التي تضر بحياة البشر بشكل عام.
ما نراه اليوم في بلادنا وغيرها من ممارسات شاذة وسلوك غريب لم تأت من الفراغ، بل هي نتيجة سياسات وبرامج مخطط لها، ناتجة عن الثنائية المتناقضة التي تضبط حراك المجتمعات، الخير والشر، وفي الواقع هذا التناقض موجود في الفرد نفسه، وهو سبب الصراع الدائم، ومن أجل تهذيبه جاءت الأديان وظهر الفلاسفة والحكماء.
الذي يحكم الصراع ويتحكم فيه هو الرغبة في التفرد والاستحواذ والتمييز والسيطرة على الآخرين من أجل حياة أفضل، حيث تعمل مجموعة من الأفراد على الاستحواذ على القدر الأكبر من مقدرات المجتمع وتحتكر السلطة بالسطوة.
ولصعوبة التعمق في هذا المقام، أقول مباشرة إن ما تشهده بلادنا من انحلال في بعض الجوانب إنما هو جزء مما يجري في المجتمعات الغربية الرأسمالية، حيث أبيحت المثلية والتحول الجنسي ويهدمون مقومات الأسرة، ولعل مراسيم بوتين الشهيرة للحفاظ على الأخلاق وحماية المجتمع الروسي من الانحلال، ومضمون خطاب ترامب الذي أرجعه إلى الرئاسة، يعكس حجم المشكلة في الغرب، ما يحدث في ليبيا لا شك أنه نتاج أحداث 2011 التي من بين أهدافها هدم بنيان المجتمع الليبي المترابط والقائم على الدين الإسلامي الحنيف وإعادة تشكيله على قواعد مختلفة بنشر الفتن المذهبية والإثنية التي تزعزع استقراره، وساعد التدخل العسكري الغربي في بناء طبقة من الأغنياء المترفين من خلال نشر الفساد وحمايته، فتكونت سلطات حاكمة من الفاسدين تمكنت من خلال كانتونات الأمر الواقع، أولئك المترفون لا شك سيمارسون اللهو والعبث، لتنشأ دائرة متواصلة من الفساد والإفساد، قد يقول قائل إن في هذا قدرًا من التهويل والتضخيم، لكن الواقع المعيش وما نراه هو قمة جبل الجليد وما خفي أعظم بكثير.
من أهم أدوات الغرب في تخريب المجتمعات منظمات ما يسمى المجتمع المدني وقيام جهات غربية مشبوهة بصناعتها وتجنيدها وتمويلها وتدريبها على عمليات هدم قيم المجتمع الليبي.
إن أهم أشكال الرذيلة النهب المنتظم للأموال العامة والخاصة وتبجيل اللصوص وتعظيم شأنهم وحماية أموالهم لدى المؤسسات والدول الغربية.
المشكلة ليست في شباب يجلسون في المقاهي مع تقديري لما قاله وزير الداخلية وحسن مقاصده، ولا في خروج النساء وشكل لباس البنات والشباب، فهذا طرح سطحي متخلف، المشكلة في أساسها في إعادة بناء المجتمع على الفضيلة التي لا تعني المظهر، الفضيلة في المحتوى، ومن هنا أرى أنه نوع من العبث التهديد بالتعامل مع الرذيلة بإجراءات أمنية شكلية، بل ينبغي معالجتها في أسبابها وأولى الخطوات لإعادة بناء الدولة ومقاومة العبث الأجنبي بنا وببلادنا ومجتمعنا، ومن أول المؤسسات المعنية بذلك التعليم، ولا شك أن الأغلب يلاحظون ما أصاب التعليم من عبث وتزوير وتحويله من أداة تدريب للأطفال والشباب وتعليمهم وزرع القيم المجتمعية بهم، تحويله إلى وسيلة للحصول على الشهادات بأي وسيلة.
لا أريد أن أحبط وزير الداخلية، لكنني أذكره بما فعله أحد الخلفاء الفاطميين الذين حاولوا حماية الأخلاق بمنع النساء في مصر من الخروج ومنع صناعة أحذية النساء ومنع أكل الملوخية لكن ذلك ذهب مع التاريخ!!
إذا أردنا أن نؤسس مجتمعًا فاضلًا، ونحن قادرون على ذلك، فينبغي أن نراجع أنفسنا أولًا، ونضع -بتوافق وطني بعيدًا عن العسف- مجموعة القيم والمفاهيم، وأن نعزز قيم الحرية والثقة في النفس لدى الشباب، وأن نبين لهم أن الانحلال يقود فقط إلى تدمير المجتمعات وليس تطورها.
ليس بشرطة الآداب تبنى المجتمعات، بل بالتعلم والتعليم ومقاومة التدخل الأجنبي الذي يعبث بنا من حيث ندري ولا ندري.