مقالات الرأي

عطيب الدبارة يقلي بذاره

بقلم/ محمد جبريل العرفي

الاقتصاد الليبي يسير برجل واحدة هي النفط الناضب الخانع، عندما انهارت الأسعار فجأة في الثمانينيات من 13 إلى 4 دولارات للبرميل، حينها احتياطينا لا يتجاوز نصف مليار دولار، وكنا ننفذ خطة تنمية ضخمة معتمدين على دخل تقديري للنفط، مما حتم ترشيد إنفاق العملة الأجنبية، فوُضِعت قيود للعمالة الأجنبية، وصنف الاستيراد لثلاثة، أولها سلع لا تمس كالتموين، والأدوية والمستلزمات الطبية، والمواد الخام ومستلزمات التشغيل، والتعليم والتدريب، والسلع المعمرة، ومواد ومعدات الصيانة، ومواد إصحاح البيئة؛ كالمبيدات ومواد التنظيف، والأسمدة والبذور والمبيدات الزراعية، فلم يشعر المواطن بنقص في السلع الثماني المدعومة، ولا بنقص الأدوية والمستلزمات الطبية أو الكهرباء، والثانية سلع كمالية محظور استيرادها كالعطور ومواد الزينة، والملابس باستثناء الأطفال دون سن العاشرة، والأثاث المنزلي والمكتبي، ومواد التشطيبات الفاخرة، والمعدات المنزلية الكمالية، وفئة ثالثة يخضع استيرادها للسلطة التقديرية للإدارة، كالأعلاف ومواد البناء. سمعت المحافظ المرحوم رجب المسلاتي يقول: “لازم نستورد أعلاف الحيوانات لأن المربي بدأ يذبح في الأنثى، بسبب عجزه عن توفير علف مواشيه”، هكذا أديرت الأزمة بحكمة وشجاعة، التي أطاحت بكثير من الدول، بل اجتزناها بمدخرات 370 مليار دولار و180 طن ذهب، سلمها بن قدارة عندما فر في 2011.2.21.

وللتذكير- وفق إحصائيات الأوبك – دخل ليبيا من 69 إلى 2011 بلغ 400 مليار دولار، تم تجنيبه كاملا تحت شعار (تدوير نافورة النفط) فالإنفاق على مشاريع الصناعة والزراعة والبنية التحتية والتعليم في الداخل والخارج والخدمات الصحية والتسليح والأمن والبعثات الدبلوماسية، تم استثمار دخل النفط، تلك الإجراءات محكومة بقانون التخطيط 85 لسنة 1970 الذي يحتم تخصيص ما لا يقل عن 70% من دخل النفط للتنمية، للضغط على الميزانية التسييرية، وليس كما يحدث اليوم بأن يبتلع دعم الطاقة نصف الدخل والميزانية التسييرية تبتلع باقيه، أذكر أن هذا الشرط أسقط من القانون 2 لسنة 1998 بشأن التخطيط، فغضب صاحبنا بمجلس التخطيط، فأعيد عرضه على المؤتمرات وصدر القانون 13 لسنة 2000 متضمنا ذلك الشرط.

المؤامرة إفقار ممنهج لليبيا، بتبديد الدخل، واستنزاف الاحتياطي، ونهب الاستثمارات الخارجية، وتخريب المؤسسات الإنتاجية، لجرنا الى الاقتراض من المصرف الدولي بشروطه المذلة لسحق الفئات الهشة، لكون المواطن في ضيق فيفرح بـ (لهاية) ارتفاع قيمة الدينار وتوفر السيولة، كمن يطعم خروفا ليذبحه، المصرف المركزي في استطاعته أن يعود بالدينار إلى قيمته قبل 86 أي 3.2 دولار، طالما وجد احتياطيا، لكن عندما ينضب الاحتياطي سينهار الدينار ويصبح مثل الدينار العراقي، أو المارك الألماني نهاية الحرب الذي استعمله الألمان للتدفئة لأنه أرخص من الحطب، أما الدين العام فسيتضاعف ولو تمت تسوية بضحكة فرق بيع العملة.

الانهيار لن يتوقف إلا بأداة ردع وطنية تحافظ على مصلحة الأجيال القادمة، فتوظف دخل النفط في تنمية اقتصادية واجتماعية مثمرة، وخدمات صحية وتعليمية وبنية تحتية، وتنفذ التشريعات السارية بصرامة؛ بما فيها صون وتنمية حماية المال العام، ومحاربة الجريمة المنظمة، وتطبيق تشريعات الإثراء بلا سبب، ومن أين لك هذا، وتجريد النهابين مما نهبوه وتعيده إلى أصحابه الحقيقيين الأحياء الذين سيولدون.

 النهب إنشاء مجتمع طبقي قضى على العدالة الاجتماعية، الحل افتكاك السلطة من بين مخالب النهابين بأسلوب مبتكر، وليس بحوارات فيما بينهم، أو بانتخابات ينجح فيها النهابون بشراء الأصوات وتمويل الدعاية، فيشكلون مجالس تسن تشريعات تزيد من احتكارهم واستغلالهم ونهبهم، ويشكلون حكومات طوع إراداتهم، ويعينون بالمواقع السيادية المنفذين لإراداتهم، وقد يصل الأمر إلى القضاء الذي بفساده يصبح القوي يأكل الضعيف، والوضع قد يحتم منع كل من اكتسب عضوية المؤتمر الوطني أو مجلس النواب أو المجلس الرئاسي، أو الحكومات المنبثقة عنهم، أو تولى وظيفة بقرار منهم، أو كان مساهماً في شركة مُنحت اعتمادات بأكثر من مليون دولار منذ 2012، أو أقربائهم للدرجة الثانية أو شركائهم الاقتصاديين، يمنع كل هؤلاء ولمدة خمس سنوات من الترشح للرئاسات أو للبرلمانات القادمة، جزء من المسؤولية الوطنية يقع على مجلس النواب لإصدار تشريعات تحمي الاحتياطي والاستثمار الخارجي، وتشدد الرقابة على الإنفاق، بما فيها تعديل عجز المادة 8 من القانون رقم 1 لسنة 24، فالأجدى إحالة الاختصاص إلى رئاسة الجسم الواقع بنطاقه المشروع.

في مناطق سيطرة حكومة النكبة الوطنية يتم النهب دون مردود، بينما المناطق المحمية بالقوات المسلحة تشهد نهضة إعمار، من إسكان وجامعات وبنية تحتية ومشاريع زراعية وصناعية، توجت بالشروع بالمرحلة الخامسة لمشروع النهر الصناعي العظيم، الله يرحم من قال: “النهر الصناعي العظيم آخر محاولة جادة لإنقاذ الحياة” فتوصيله إلى الجبل الأخضر والبطنان يحمينا من الموت عطشاً، ويساهم في تنمية محلية زراعية وصناعية، مما يحقق تدوير نافورة النفط حفاظاً على حقوق الأجيال القادمة في ثروة بلادهم.

زر الذهاب إلى الأعلى