مقالات الرأي

دوامة العبث!

بقلم/ مصطفى الزائدي

‏مما يؤسف له إضافة إلى ما وصل إليه الحال في بلادنا من عبث وفساد وظلم وفوضى وانعدام للأمن وانسداد الأفق أمام الحلول السياسية، ابتهاج البعض بقرار مجلس الأمن الدولي بالتمديد لمدة ثلاثة أشهر لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وفتح المجال للتمديد التلقائي حال توافق مجلس الأمن على مبعوث جديد للأمين العام، إن ذلك الابتهاج يمكن فهمه وتفسيره في إطار أمرين لا ثالث لهما، الأول ‏إما أن المبتهجين يجدون في بعث هيئة الأمم المتحدة وسيلة مناسبة لإبقاء الحال على ما هو عليه وبالتالي بقاؤهم في مواقعهم التي تحصلوا عليها بالخداع والتدليس أو استنادا إلى القوة غير المنضبطة، وأنهم يرونها حاجزا دون تمكين الشعب الليبي من الإمساك بزمام أمره وفرض إرادته، والأمر الثاني أن يكون المبتهجون من السطحية السياسية والسذاجة بحيث لم يستوعبوا بعد طبيعة بعثة هيئة الأمم المتحدة وأهدافها الحقيقية ولم يستوعبوا أن قرارات التمديد تعني فقط استمرار ما يسمى المجتمع الدولي وهو الدول الغربية النافذة، في هيمنتها على ليبيا والسيطرة على قرارها والتصرف في مقدراتها واستخدامها كموقع استراتيجي في الصراع المحتدم على مراكز النفوذ ذلك الصراع الآخذ في التوسع والتصاعد.

‏كان يمكن تفهم أو القبول بقرار مجلس الأمن الخاص بالتمديد لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا لو كان ذلك مرفقا بخطة مجدولة زمنيا وقابلة للتنفيذ للخروج من الأزمة الليبية، ولو كان مقرونا بوضع قيود ملزمة على حالات الانفراد من بعض الدول بالملف الليبي واستخدامه لتمرير أجنداتها السياسية في المنطقة والعالم، ولو كان متضمنا لأي قدر من المقترحات لتمكين الشعب الليبي لاستعادة سلطته وإدارة دولته واستخدام موارده والتصرف فيها وفقا لمصالحه العليا، ولو كان مجلس الأمن قد وضع ضوابط للحد من حالات الفساد التي تجري وربما بحماية ورعاية من الدولة النافذة، وكذلك حالات النهب التي تتعرض لها الموارد الليبية بشكل معلن وغير معلن.

‏في الواقع قرار التمديد يعكس حالة الصراع على مناطق النفوذ وعدم التوافق بين الدول الكبرى في مجلس الأمن حول الأزمة الليبية، الهدف الأساسي منه تجميد محاولات الحل بالنظر إلى تخوف الأطراف الدولية من بعضها لأن كل طرف قد يحسبها لصالح الطرف الآخر، لذلك كان القرار واضحا في شكله ومضمونه لأنه لم يتم في المجلس التوافق على مبعوث جديد للأمين العام.
المشكلة الأخرى بالنسبة إلى الليبيين أن التوافق بين أعضاء مجلس الأمن في كل الأحوال يعني تكليف شخصية ليست بالضرورة أن تكون على قدر من الكفاءة السياسية والقدرة التفاوضية ولا تمتلك الخبرة الكافية التي تمكنها من اقتراح حلول جادة وفعالة وتمريرها، بل أن تنال تلك الشخصية رضا كل الأطراف لكونها “لا تهش ولا تنش”، وهذا يعني أن الشخصية التي سيتم التوافق عليها ستكون ضعيفة وغير قادرة على الإطلاق على تقديم أية مبادرات، وهذا ما كان طيلة السنوات الماضية فكل المبعوثين دون استثناء موظفون بدرجات دنيا في دولهم، ولم يسبق أن كلف بالملف الليبي رغم خطورته أي شخصية دولية مرموقة ومعروفة وقادرة كما تم في كثير من الأزمات الدولية.

القرار الذي ابتهج به البعض يعني استمرار حالة الجمود الذي قد يتحول بعد شهر يناير القادم إلى جمود مستدام، يفرضه في واقع الأمر بالنسبة إلى المجموعة الدولية الصراع في المنطقة العربية والتطورات في شمال أوروبا وبشكل أكبر وأهم الانتخابات الأمريكية، فالملف الليبي ليس من الأولويات في السياسة الأمريكية، لذلك سينتظر مجلس الأمن إلى حين تحديد الرئيس الأمريكي القادم ومن ثم تمنح الفرصة الكافية للإدارة الجديدة للدخول في مناقشة الأزمة الليبية، وذلك لن يتم في تقديري قبل منتصف العام القادم.

السؤال الأهم هل يستطيع الليبيون بمفردهم أن يصلوا إلى حلول لمشكلتهم التي تنعكس عليهم جميعا على اختلافهم وباختلافاتهم، ستكون إجابات البعض بالنفي لسبب معقول وهو كون ليبيا تحت الوصاية الدولية بسبب وضعها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في القرارات الصادرة من مجلس الأمن والتي لا تزال سارية وكان ينبغي أن تكون ظرفية لأنها تتعلق بالنظام الوطني السابق الذي نجح الغرب في إسقاطه بالقوة، وذلك يعني انتهاء تلقائيا لصلاحية القرارات 1970/1973، لكن الغرب كانوا في الأساس يستهدفون ليبيا وليس النظام كما ادعوا لكونه يقتل المدنيين من شعبه، بل كان ذلك ذريعة مختلقة لتبرير وتمرير تدخله، لهذا استمر العمل بالقرار وما زلنا وسنبقى لوقت طويل نرزح تحت سطوته، والبعض وأنا منهم لا يرى وسيلة للخروج من الأزمة التي وضعنا فيها إلا بجهود ليبية ذاتية خارج إطار الترتيبات الدولية ونحن قادرون على ذلك لو امتلكنا الإرادة والتصميم ووضعنا جانبا مصالحنا والشخصية واتفقنا على هدف واحد وهو استعادة الوطن.
سيتساءل البعض وكيف ذلك؟ وإجابتي بسيطة لا يمكن تناولها ونقاشها على صفحات التواصل الاجتماعي، ملخصها، قول الشاعر الشابي “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”.

زر الذهاب إلى الأعلى