حيادية وشعبوية القنوات الإعلامية
بقلم/محمد بوخروبة
من يتابع بعض وسائل الإعلام العربية التي تغطي العدوان الإسرائيلي الوحشي على فلسطين ولبنان لا يجد أي فرق بين هذه الوسائل وبين وسائل الإعلام الصهيوني، بل كثيرًا ما تسبقه هذه الوسائل على نشر ما يريد نشره وإشاعة ما يريد إشاعته، من بين ما يثير النفور والنقمة في المشهد العربي، أن بعض أدعياء الثقافة والإعلام والتقدم والتحرر، والمنشغلين بأنفسهم وتنظيراتهم وتحليلاتهم وإنجازاتهم الفكرية والنضالية وأوهامهم، لا يشغلهم ولا يثير اهتمامهم ما يجري في فلسطين ولبنان، ولا يعنيهم في شيء، ولا يستحق منهم حتى مجرد الإشارة أو التعقيب، وإن المناضلين الذين استشهدوا وهم يقاتلون عدو أمتهم ويمثلون ضميرها وإرادتها الحرة ووقفوا في وجه الطغيان الأمريكي لا قيمة لنضالهم وتضحياتهم، ما داموا لم ينهلوا من فكرهم وعبقريتهم وانتماءاتهم وارتباطاتهم المشبوهة، وإن ما اجترحته المقاومة في فلسطين ولبنان، من معجزات ضد العدو الصهيوني والمعسكر الاستعماري وما أحدثته من تحولات، لا يستحق منهم الاهتمام والمبالاة! نكبتنا بهذا الفريق من أدعياء الثقافة والإعلام والتحرر وأمثالهم من أدعياء الدين، لا تقل عن نكبتنا بأنظمة المذلة والعار،.
إذا كانت إسرائيل تتحكم بالساسة والسياسة في أمريكا على حد قول الرئيس الأمريكي السابق كارتر، وكما نرى نحن الآن من توحشها وطغيانها وعنصريتها وتدميرها واستهانتها بالمجتمع الدولي، وقراراته فكيف سيكون حال العرب والأنظمة العربية إذا فتحوا الأبواب على مصراعيها، أمام النفوذ أو الهيمنة الإسرائيلية، وكيف ستكون علاقة الدول المتصالحة والمطبعة معها؟ هل فكر هؤلاء المتسابقون إلى التصالح والتطبيع والتحالف مع إسرائيل بعواقب هذا التسابق؟ وصدق الله قولا، “إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”، كلما سخن الصفيح السياسي أو العسكري في منطقة الشرق الأوسط، تقحم أكبر القنوات العربية في حلبة التنافس، والذي يأخذ طابع التصيّد في تغطيتها الإعلامية، فتصبح المهنية على المحك، والجدل مسيطرا على مواقع التواصل الاجتماعي، جدل لا ينتمي إلى مساقات نظريات الإعلام وحقوله، بحيث يميل فيه كل جمهور للدفاع عن توجهات القناة التي تشبع حاجته المعرفية للوصول إلى الحقيقة أو ترضي سرديته التي تعبر عنها، جدلية السبق الصحفي، كإطار تندرج تحت سقفه القنوات باستمرار، ودون تحيز أو محاباة
يُحسم بالمطلق لصالح قناة ما لاعتبارات سياسية وإعلامية تراعيها القناة دوما في تغطيتها، فالعمل الإعلامي محكوم بمثلث أضلاعه، معايير المصداقية، ومجموعة المبادئ الأخلاقية، والقواعد المهنية، وهو ما تجاوزته بعض القنوات مرارا في محاولتها إقحام فكرة ما أو موقف سياسي لخدمة أجنداتها المشبوهة، فلا ضمان لحق الرد أو إتاحته بمساحة تكفي لبيان الحقائق للرأي الآخر، ولا يتم تصحيح الأخطاء أو المعلومات وفق الأطر المهنية داخل هذه القنوات، وهو ما يؤاخذ عليها دوما، في المحصلة سينقشع غبار الحرب في قطاع غزة وجنوب لبنان، وستوضع القنوات العربية على ميزان المهنية والمصداقية والاحترافية، ومن هي التي تميزت بنقل الوجع الفلسطيني واللبناني دون مغالاة أو استغلال لمعاناة الشعبين، ودون الغرق في مستنقع الترند، ومن التي ساقت بتضخيم قدرات الميليشيات كإستراتيجية سياسية لكسب الحرب بعيدا عن واقع ميدانها، فمنحتها إسرائيل بقرارات منع عمل طواقمها في إسرائيل والضفة الغربية، في صورة بطولية جعلتها طرفا في الحرب الدائرة، مما دفعها إلى التمادي بتسويق الأوهام التي تطرب الغوغاء، فدفع الضريبة الشعبان الفلسطيني واللبناني، اللذان قُضما من أراضيهما وسالت دماء أبنائهما تحت زيف تحليلات عسكرية وظفتها القنوات لكسب جماهيرية وشعبوية زائفة.