مُتَأخْوِن متجمِّل!!
بقلم/ عفاف الفرجاني
ظهر علينا منذ أكثر من عقد من الزمن، من يسمون أنفسهم شيوخ الفقه والشريعة، ليصنعوا لنا فكرًا مشوهًا عن الدين، عملوا جاهدين على تهميش دور المناهج الفلسفية السوسيولوجية، وهمَّشوا المفكرين والمبدعين الحداثيين، وفتحوا الأبواب أمام الفكر الإخواني والوهابي ليغزو وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
هذا التحكم في ذهنية المجتمع الليبي لم يُنتبه إليه في أوانه، وذلك لانشغال الناس بالقضايا المعيشية إلا بعد سنوات، عندما دق منبه الخطر من بعض الحقوقيين والصحافيين والمثقفين، ليستيقظ المجتمع على فكر دخيل مقيت يستهدف نسيجه الاجتماعي.
نحن الذين تربينا سابقًا على مقاسمة الطلاب مقاعد الدراسة إناثا وذكورًا دون استثناء فيما بينهم ودون عنصرية لنكبر على أن الزميل أخ وسند في المدرسة، نحن الذين درسنا على أيدي معلمين لا نرى فيهم إلا الأب والأخ الأكبر، يأتي اليوم وبعد سنوات طويلة من الاستقرار الاجتماعي بعض من تجار الدين ليعبروا عن أفكارهم المريضة، والتي من أهم سماتها عقد نفسية، ليترجم سلوكهم لواقع من خلال جملة معتقدات تترجم وضعهم الأخلاقي والنفسي، منها التشكيك في قيمة الفرد في المجتمع، فمثلًا هم اليوم يركزون على الغرائز والمحرمات ليصبح سيكولوجيا الممنوع مرغوب، لم يقف هذا الفكر غير السوي عند هذا، بل تعدى ذلك ليخرج علينا هؤلاء المعتوهون ليشككوا في أسمى العلاقات الإنسانية علاقة الأب بابنته أو حفيدته، ويطلبون بالحد من التصاق البنت بوالدها التي هي قطعة منه، هذا آخر ما شاهدته على إحدى منصات التواصل الاجتماعي من شيخ يدعي التدين وله جمهوره من المضحوك عليهم باسم الدين، هذه الأفكار المريضة لا تستهينوا بها لو استمرَّت في النمو ستشوه كل العلاقات الفطرية ونصبح مجتمعًا مريضًا، هؤلاء الشخصيات الذين هم في الحقيقة منظرو الإسلام والدين حسب رؤية مخرج ماسوني صهيوني كافر، سنصبح بفضلهم أمة غرائزية غير منتجة للفكر.
علينا نحن الليبيين الذين نقبع خارج هذه الدائرة أن نقوم بتشديد الرقابة ضدَّ هذا التيار من خلال برامج توعوية موجهة سواء عن طريق الإعلام أم من داخل لجان مشرفة على حملات التوعية الدينية في المدارس أو من خلال المناهج التعليمية، وتسليط الضوء على المعايير “البيداغوجية” والقيم الواضحة، حتى نقطع الطريق على أفكار هدامة تلهث لتدمير الفرد اجتماعيًا ووضعه في حالة شك مزمن واستنفار أبدي.
هم يهاجموننا بأسلحة فاسدة ورخيصة وللأسف حساسة، شيطنوا عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا الاجتماعية، الأمر أكثر تعقيدًا مما يتصوره المجتمع، فصعوبة التحليل لا تكمن مع المنتسب الأصيل للإخوان، فهو واضح ومكشوف، المعضلة اليوم في أولئك الذين ينكرون انتماءهم إلى الجماعة أو تأثرهم بمنهجها التكفيري على المستوى النظري، إلا أن مخرجات خطابهم الديني من حيث الدلالة تشير إلى تأثرهم بمرجعية الجماعة، وهذا النموذج من الشخصية خطير ومتصلب في منهجية التفكير الموضوعي، والمتقوقع حول روافده الفكرية ذات الأفق الضيق، وهو ما سيجعلها تنتج سلوكًا إقصائيًا وعدائيًا حيال الوطن والمواطن، هؤلاء هم الخطر الحقيقي الذي يداهم الوطن فهم معتوهو الأصل إخوانيو الهوى.