زيارة ونيارة
بقلم/ فرج بوخروبة
هروبًا إلى الأمام اتخذ القرار في لحظة فارقة خوفًا من الفشل الذريع ولعدم قدرته على مواجهة الشارع الذي فقد سيطرته عليه بقيادة أحزاب المعارضة الإسرائيلية التي يتزعمها “يائير لبيد” و”أفيغدور ليبرمان”، و”جدعون ساعر”، وثلاثتهم إضافة إلى “يوآف غالانت”، ضيقوا الخناق على السلطة القائمة من أجل التعجيل بإسقاطها بعد فقد سيطرته عليها نتيجة حربه المسعورة على قطاع غزة ورفح وجنوب لبنان ودفعه الثمن الباهظ المكلف للكيان الصهيوني جراء تصرفاته الرعناء، قرر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية كملاذ أخير لعل وعسى يناله من الطيب نصيب! وبالتصفيق الحار انتشى نتنياهو في أجواء من البهجة والسرور! رحب الكونغرس الأمريكي بدراكولا العصر، مصاص الدماء الحقيقي، وإن كان دراكولا مجرد أساطير وخرافات بدأت في أذهان الناس، إثر ظهورها لأول مرة في رواية الكاتب الأيرلندي برام ستوكر عام 1897، بعنوان “الذي لا يموت”.
وفي ظل غياب تام للضمير السياسي الأمريكي الذي غلب مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحضر لانتخابات رئاسية في سباق يعد الأسوأ في تاريخ أمريكا الحديث! نراها وبكل صلف تغض النظر عن الجرائم وحرب الإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أهل غزة، التي جعلت من هتلر ونيرون وبينيتو موسوليني وهولاكو الضالعين بالإجرام الدولي، حُمْلانا وديعة أمام وضاعة وجرم دراكولا العصر الحديث: رئيس وزراء إسرائيل! مجرم الإبادة الجماعية، وقاتل الأطفال والنساء، والشيوخ والعجزة، بدوافع البغض والظلم واستلاب الحق من أهله، بحجة الدفاع عن النفس، النفس التي تجاوزت كل قوانين الأرض والسماء في كل شيء، استباحت الأرواح والدماء والمقدسات، بعد أن أحكمت السيطرة عليها وطرد سكانها عنوة تحت وطأة الاحتلال الذي كان قد تم تنفيذه منذ أكثر 76 سنة عجافا حلت على أرض فلسطين المحتلة بمباركة بريطانية وتواطؤ غربي خسيس، تعاطفًا مع الفرية الذي روج لها اليهود بما يسمى زَيفًا وتزويرًا للتاريخ المحرقة اليهودية أو الهولوكوست الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها ملايين اليهود فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بسبب هويتهم العرقية والدينية على يد الحكم النازي في ألمانيا كأكبر خدعة نجح فيها اليهود لاستجلاب عطف العالم.
استقبل الكونغرس الأمريكي عدو الإنسانية “النتنياهو” بكم هائل من التصفيق، حتى أنه لم يصدق ما هو فيه من ترحاب فاق كل التوقعات، وبشيء من الزهو وجد نفسه يخاطب عقولا سهلت عليه مهمته التي كانت تشكل له صعوبة الوصول إلى هدفه من الزيارة، بدأ خطابه مهاجمًا دولة إيران ووصفها بالمجرمة والداعمة للإرهاب لوقوفها واصطفافها مع أهل غزة وإعانتهم على مصابهم التاريخي، واستنكر بعض الأمريكان الذين وقفوا في الشوارع والميادين العامة وأمام الكونغرس وقوًفا مع فلسطين وشعبها، ووصفهم بالأغبياء المفيدين لإيران، وطالب من الكونغرس دعم إسرائيل في مواجهة العدو بكل الوسائل، عدة وعتادا سلاحًا ومالًا، وتسخير كل إمكانات أمريكا لنصرة إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين المصنفين كإرهابيين! ليصدق قول الدكتور مصطفى محمد حين قال: “يأتي على أهل الحق لحظة يظنون فيها أنهم مجانين، من فرط الثقة والوقاحة التي يتكلم بها أهل الباطل”.
زار النتنياهو أمريكا للاستجداء وحثها على الدخول في معركة غزة كمناصرة لدولة إسرائيل مدللة العم سام حتى تنتصر ويبقى هو في السلطة هروبًا من قضايا تنتظره حالة خروجه من السلطة تؤدي به إلى السجن، بينما معركة أمريكا الآن وفي هذا التوقيت انتخابية يتنافس عليها الجمهوريون بدونالد ترامب كرئيس لفترة ثانية وغريمته “كامالا هاريس” عن الحزب الديمقراطي بعد انسحاب جو بايدن تحت ضغط حزبه التي استغلها النتنياهو لكسب مواقف أكثر إيجابية لما للتكتل الصهيوني من أهمية، تتركز في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية بما يحقق مصالح دولة إسرائيل، وهو تعبير يسمح بوصف مجموعة من الأفراد والمؤسسات اليهودية، التي تنشط بشكل كبير داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، وخاصة في قدرته على حشد كبير من الأصوات الداعمة لأحد الحزبين الجمهوري والديمقراطي وفق سياسة الحزب وتعاونه التام وغير المشروط مع الكيان الصهيوني!
ولما لهم من ثقل انتخابي جدير بالاهتمام يسعى كل مرشح إلى نيل ثقة التكتل وكسبه لكي يضمن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، ومع كل ذلك شاهدنا انزعاج كل من دونالد ترامب وكامالا هاريس من استمرار الحرب!
الأمر الذي لم يسر النتنياهو بالطبع، وبغياب رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي وقرابة الخمسين عضوا من الكونغرس بقصد عدم المشاركة وحضور خطاب النتنياهو اعتراضًا على الزيارة وتوقيتها، ولما لهذه الزيارة من ردود أفعال دولية وإقليمية بين مؤيد ومعارض وناقد ومستهجن، أسفرت عن انطلاق صارخ مجهول المصدر والهوية! معلنًا عن هزيمة النتنياهو ليعود مسرعًا خالي الوفاض إلى حيث تقييم الوضع في مجدل شمس.