مقالات الرأي

المقارنة الذاتية.. وثقافة التسامح 

بقلم/ المهدي الفهري

أن نمتلك القدرة على أن نقارن أنفسنا بأنفسنا فذلك مظهر من مظاهر السلوك الحضاري ولغة يعجز البعض عن انتقائها وإتقانها وثقة يفتقر الكثيرون إليها، وأما أن نقارن أنفسنا بغيرنا فتلك خطيئة لا نستطيع أن نجتازها إلا بحس عالٍ من التسامح واتساع الصدر وإظهار أن تفكيرنا أبعد بكثير من الأفق الضيق ويمتد إلى ما هو أعظم وأرقى من التسامح ليتجاوز الذات ويسمو على الفروقات الثقافية التي يتخذ منها البعض موقفًا عنصريًا وسلبيًا رغم أهميتها في بناء بيئة عمل شاملة ومتنوعة وغنية بالثقافات. ومع أهمية أن ما نقوم به من عمل يجب أن يكون من نتاج وعينا وليس من وعي الآخرين وأن يحمل كثيرًا من الرصانة والجدية والالتزام وأن يكون له ذوق ورؤية ومتعة ومصحوبا بأسلوب سلس من المرونة وقبول الاختلاف فإن إسقاط بعض المواضيع يثير أحيانا بعض العصبيات والتعاطي معها قد يشكل بؤرة خلاف واختلاف وكذلك الصراحة قد تؤدي بنا الى الراحة النسبية، ولكن الفائض منها قد يتبدد إلى انفعال زائد يصل إلى الوقاحة ويؤدي إلى مزيد من الثورة والهيجان ويضاعف من سقطات اللسان ويدفع بالبعض إلى فقدان التوازن وارتكاب حماقات والقيام بأفعال وأعمال غير متوقعة سرعان ما تنتقل إلى خصومات وعداوات يصعب محوها واحتواؤها كاستخدام الأسلوب الجاف والجارح من طرف البعض وإصراره منذ البداية بأنه على حق، وأن غيره على باطل مما يستدعي أخذ الجوانب النفسية والسيكولوجية في الاعتبار والعودة إلى صحوة الضمير ومحاولة التغلب على الانكسار النفسي وفتح هوامش للتحرك من خلالها لبعث الروح في الجسد المادي لحياة تستحق الحياة وتغيير المعطيات الجامدة لتحفيز الخيال وتفاعل القراء والمتلقين عبر تجسيد الدور المطلوب وخلق تعاطف واستجابة مع الحدث والبحث عن كيفية تحويل الفكرة والمبادرة إلى سلوك وعادة من خلال القيام بمراجعة نقدية لتجديد الخطاب وتصويب النظرة لدى المتابعين مع الحرص الدائم على أن تكون وتيرة الإحساس بالنجاح أعلى من مستوى الخوف من الفشل وقد نحتاج في الوصول لذلك إلى تغيير في الأسلوب والوسيلة تحسبا للتداعيات والعواقب وبما يحقق التلاحم بين الإرث الماضي وتحديات العصر ودمج أفكار ورؤى جديدة تفوت الفرصة على حالات التشرذم الفكري والثقافي التي تجتاح المجتمع وتهدد وحدته والتي تلازم حركات التغيير بين الحين والآخر وتلقي بظلالها على الواقع وما يحمله من رهانات وتحديات تستوجب العناية والاهتمام وإيجاد مخارج لها لخلق نوع من الاستقرار والتضامن ونبذ السياسات الارتجالية للمحافظة على الاستمرار بخطى تضمن تحقيق الرضا والوفاق المجتمعي الشامل وتخفف من معاناة ووجع الناس فالسلم الاجتماعي مثلًا لا يبنى بالإقصاء ولكن يبنى بالاتفاق والتوافق بين أبناء المجتمع الواحد ومدى قدرة وإخلاص كل فرد فيه في تحمل مسؤولياته وطرح المبادرات التي تحمل حلولا تسهم في تحقيق الاستقرار ومد جسور الثقة المتبادلة بين كل الأطراف بما يضمن تحقيق التوازن الجماعي الذي يحقق الأمن الجماعي ويسهم في تهيئة بيئة آمنة تتسع وتصلح للتكفل بمصالح الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى