مقالات الرأي

الليبيون وقضية فلسطين.. نضال مشترك

بقلم/ محمد عبد القادر

كثير من العرب والأجانب استغربوا تمسك الليبيين بالقضية الفلسطينية وعدم قبول المساومة عليها أو التفريط فيها، السبب في أن الليبيين واجهوا استعماراً استيطانياً مدفوع بدعاوى تاريخية ودينية لاستعماره تماما كما هو الاستعمار الصهيوني المدفوع بدعاوى تاريخية ودينية، ولأن التجربة واحدة ولأن النتيجة واحدة فالنضال واحد ومسار القضيتين مسار واحد بل القضيتان مترابطتان ترابطاً عضوياً وثيقاً ومتشابكتان تشابكاً فريداً ومصيراً موحداً، فكما يستغرب العرب وقوف بريطانيا وأمريكا بل والغرب الاستعماري عموما أو لنكن دقيقين القوى النافذة كافةً في الغرب مع الكيان الصهيوني في ارتباط عضوي فريد وتشابك في مسار المصالح والوجود، لأن العرب (الذين استغربوا!) باستثناء قلة من الدارسين والمفكرين وحتى بعض القادة القوميين الذين لا يراد لصوتهم أن يكون قويا لا يدركون أن الحضَّانة الغربية أو الحاضنة بمعنى أوسع هي التي أوجدت هذا الكيان وأوجدت المبررات التاريخية والدينية والقانونية، بل والأخلاقية لوجوده، وأرست دعائم الأساطير التي رسمت معالم طريق المشروع العنصري المتوحش الذي أباد وهجر ونفى وهمش واعتقل شعبا بكامله، فبين مصالح غربية محددة في وجود كيان وظيفي يخدمها وبين مبررات لوجوده في ثوب مخادع، وبين انتماء أصيل يجمع الفلسطينيين والليبيين برباط دم ورباط عقيدة وتاريخ مشترك ومصير واحد.

لماذا لا يقبل الليبيون أي مساس بقضية فلسطين منذ بداية الصراع وعلى مدار زمانه وأحداثه وأبعاده وعلى اختلاف ظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالرغم كذلك من كون المجتمع الليبي مجتمعا متسامحا وغير متطرف ضد اليهود، وأن اليهود عاشوا معنا قروناً طويلة تكونت علاقات تصاهر وتبادل منافع ومصالح، إذا لمَ حدث هذا التشدد في موضوع فلسطين بالنسبة إلى الليبيين، يقول الأستاذ محمد ياسين عربي مؤلف كتاب “صراع الفدائيين الليبيين في فلسطين” في مقدمة كتابه ما يلي: هذه قصة كفاح شاب، “الصراع من طول ما مارس آباؤه قتال الأعداء وصراع الخلاء، استمعوا إلى قصص البطولة وهم أطفال، فتشرَّبَتها نفوسهم حتى عشقوا البطولة منذ نعومة أظفارهم، وتعلقت أحلامهم بالنضال وبالبطولة والأبطال، إلى أن حانت لهم الفرصة في قطعة أثِيرة من وطنهم الغالي، وقعت فريسة لمطامع الصهاينة، فهب أبناء ليبيا من كل فجٍّ: من المدينة، ومن القرية، ومن المنتجع. فخرج الأب وأبناؤه، والأخ وإخوته، فالتقوا في فلسطين مقاتلين”.

إذًا أحد أهم الأسباب ما ذهب إليه المؤلف في كتابه الذي أرخ لانطلاق قوافل الليبيين حفاة عراة وعلى الأقدام في طوفان بشري فريد، والسبب الثاني أنهم عانوا الويلات من الاستعمار الاستيطاني الاحتلالي الذي قتل ونفى وهجر وبنى المعتقلات الجماعية وهي وسيلة للإبادة بطيئة وهو نفسه الاستعمار الاستيطاني والاحتلال الصهيوني الذي يرون أنه سيفعل بإخوتهم نفس ما فعل بهم الطليان، وهل هناك اختلاف بين الحركة الاستيطانية الغربية الإيطالية والصهيونية، إنها هي ذاتها منبعاً ومنهجاً وأساليب وحشية واجتثاث شعب من أرضه وإحلال تجمع بشري مغاير بمبررات تاريخية ودينية وعنصرية وما ينطبق على الليبيين ينطبق على الجزائريين وكل الشعوب التي تعرضت للإبادة والاستيطان لأنها تحس نفس الإحساس وتشعر نفس الشعور وتعرف يقيناً بسبب التجربة وعمق المأساة أن المصاب واحد بين فلسطين وليبيا وكل شبر في وطننا العربي، بل وفي العالم، ولذلك تجد كل شعوب منظومة التحرر العالمي تتعاطف مع قضية فلسطين، عاشت قضية الشعب الفلسطيني الحرة والعادلة والمقدسة بقيم جميع الأديان في أصولها والقيم الإنسانية النبيلة التي ستحسم في نهاية الأمر بانتصار الشعب الفلسطيني بمقاومته ومن ورائه كل المناضلين من أجل الإنسانية خاصة بعد أن توسع النضال ضد الصهيونية كحركة عنصرية غربية توفر للغرب حاجتين استراتيجيتين وهما: حل المشكلة اليهودية بعملية تهجير كبرى موهومة ومخادعة لليهود العاديين وصنع كيان غريب في منطقة مهمة استراتيجيا للغرب كقاعدة استعمارية بالمنطقة لتكون حالة إشغال دائمة وتعطيل وتوتر تشغل أمة عن التقدم باعتبار الأمة العربية الإسلامية هي المنافس الآخر للحضارة والنفوذ الغربي بتقييم الغرب أنفسهم وقد عبروا عن هذه الحقيقة في مؤتمرهم الإمبراطوري الأول عام 1907 الذي سموه وثيقة كامبل السرية التي نصوا على تكوين هذا الكيان ونصوا كذلك على أن أخطر تجمع بشري سيواجه الغرب هم العرب المسلمون وغيرهم من المسلمين بعد دراسة هذا الملف من قبل مئات العلماء الغربيين من حوالي ست دول هي فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، بلجيكا وهولندا، بريطانيا الدولة صاحبة الدعوة، فهل من متسائل بعد الآن عن لما الليبيين لا يحتملون مساساً بالقضية الفلسطينية باختلاف انتماءاتهم السياسية والجهوية والفكرية رغم الجهد الذي تبذله أطراف حلف الناتو المهيمنون على الحياة السياسية الليبية الآن لتغيير مزاج الليبيين وقناعاتهم وذلك بصب معلومات ومفاهيم مغلوطة بأقلام ليبية مرتزقة.

زر الذهاب إلى الأعلى