الثائر العربي الافتراضي
بقلم/ سيد العبيدي
عندما تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي سترى ثورات افتراضية تجتاح العالم العربي من المحيط إلى الخليج، ثورات خلف شاشات مضيئة يجلس صناعها الوهميون في المنازل والمقاهي والسيارات، بينما تخلو الميادين والشوارع والساحات من الثائر الحقيقي، الذي استطاع في السابق نزع حقوقه المشروعة، بصرخات مدوية وهتافات زلزلت عروشا مشيدة من الوهن والخوف.
لقد كشفت حرب “الإبادة الجماعية” في غزة عن واقع مؤلم تساوى فيه عالمنا العربي بين حاكم ومحكوم، واقع من الاستسلام والضعف والخنوع، فكانت النتيجة أن العدو استعلى وتطاول وتجبر وقتل وشرد وتجاوز كافة الخطوط التي لم تعد حمراء، ولم يعد لمن يضعونها قيمة في نظر أطفال غزة الذين يستقبلون الموت كل لحظة بصدور عارية وشجاعة أرقت مضاجع الجبناء وأخجلتهم.
لقد انتفض وما زال الغرب رغم السياسات الحكومية المعادية للعرب والمسلمين ضد المجازر البشعة التي تحدث في غزة، وعمت المظاهرات مختلف المدن الأوروبية والجامعات العريقة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعبر الطلاب عن غضبهم تجاه تمويل الحكومات الغربية للكيان الصهيوني ودعمه بمختلف الأسلحة في حرب الإبادة وما زالت تتوالى ردود الأفعال المنددة بالعدوان من منظمات غربية حكومية ومستقلة رغم الضغوطات التي يمارسها اللوبي الصهيوني في الغرب.
أما في الوطن العربي الكبير الغني بالثروات والقوى البشرية الهائلة فقد خلت الميادين والشوارع من أشكال التظاهر والاحتجاج السلمي وواصل طلاب الجامعات العربية متابعة الحفلات الموسيقية والاحتشاد بالملايين في مهرجانات غنائية نظمت في عواصم عربية كبيرة بالتزامن مع شلال الدماء في غزة.
لقد عم الصمت مختلف المدن العربية وأصبح الحديث عن القضية الفلسطينية عابرا غير مهم حتى إننا سمعنا ورأينا من يصف المقاومين للاحتلال المدافعين عن مسرى “رسول الله صلى الله عليه وسلم” بالإرهاب، فيما لم يختلف موقف الحكومات عن موقف شعوبها فالجميع فضلوا أن يشاركوا في مأساة غزة من خلف الشاشات.
هل حقاً باتت “المنشورات” التي تكتب عبر الحسابات الشخصية لرواد “العالم الافتراضي” أقصى ما تستطيع أن تفعله الشعوب العربية تجاه ما تشهده المنطقة من أزمات، على رأسها حرب “الإبادة الجماعية” التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة للعام الثاني؛ أم أنها “منشورات” تعكس بشكل واضح ما آلت إليه أحوال الأمة وحقيقة العجز والخضوع وموت الضمير الذي يعيشه حالياً “الثائر العربي الحقيقي الذي تحول إلى افتراضي”!