مقالات الرأي

ملف الأورام الملتهب

بقلم/ علي أبو قرين

ملف الأورام السرطانية مثقل جدًّا لمفهوم الأمراض السرطانية عند العامة، وللثقافة الموروثة تجاهها، وما تشكله من رعب وخوف وقلق عند كل شخص يصاب بالسرطان، أو عند أهله وذويه وأحبابه، لتعقيدات التشخيص والعلاجات ومضاعفاتها وطول مددها، مع أن الأورام ليست من أسباب الوفيات العالية نسبيًّا بالمقاربة بكورونا التي قضت على عشرات الملايين بالعالم، وهذا مؤشر آخر خطير جدًّا، وللأسف لا نملك لمجابهة الأوبئة والجوائح شيئًا، والعالم تهدده موجات أخرى من وبائيات وفاشيات مختلفة.

ومن الأسباب العالية للوفاة الأمراض غير السارية، ومنها القلب والسكتات الدماغية التي تشكل مع الأورام والانسداد الرئوي المزمن والزهايمر والخرف والسكري أكثر من 74% من الوفيات، وزاد من تعقيد الأمور في ملف الأورام ببلادنا صعوبة الوصول إلى طبيب متخصص ومتمكن وماهر، ويحمل تجربة طويلة وله باع في ذلك، وعدم توفر أماكن متكاملة ومتخصصة، وبدون تكلفة كما كفلها القانون، أو بتكلفة مقدور عليها، مع أن معظم الناس لم يعد لديها ما تدفعه، مع انتفاء وجود لنظام صحي قوي وفعال ومنصف يتوفر به منظومات الكشوفات الطبية الدورية المبكرة لعموم الناس وللفئات المعرضة للخطر، والذي يجب أن يتوفر بمرافق الرعاية الصحية الأولية، والتي يتم إجراء الكشف بها، وإذا لوحظ أي تغيير، يتحول المصاب داخل سلسلة من الإجراءات السلسة والبسيطة والسريعة لاستكمال الفحوصات الطبية، وزيارة المختصين في شتى التخصصات حسب نوع السرطان ومراحله وبرامج وبروتوكولات علاجه، حيث يتواجد المختبرات المتقدمة التي تغطي جميع التحاليل بما فيها الباثولوجي والجيني وغيرها، والإمكانات التصويرية المتكاملة الخاصة بتشخيص الأورام السرطانية، وحيث يتوفر جميع الخدمات الطبية العلاجية على أعلى مستوى في التجهيزات الطبية الحديثة، وحيث يتواجد الأطباء المختصون والتمريض المؤهل والمتخصص وليس المجازين من منازلهم أو دورات إسعافية لربات البيوت أو المعاهد المتوسطة! والفنيين المؤهلين تأهيلًا عاليًا جدًّا في تشخيص وعلاج مرضى السرطان، ليتحقق الهدف الأساسي وهو الشفاء والتعافي التام والعودة إلى الحياة الطبيعية بلا مرض ولا ألم لا جسدي ولا نفسي ولا معنوي، حيث يتواجد تكامل وتزامن وتوالي الخدمات في منظومة طبية وفنية وإدارية سهلة جدا، ينتقل من خلالها المريض ومرافقوه وبياناته، دون عناء ومشاق وإبطاء ولا احتمالية واحدة للتأخير في أي إجراء أو عدم توفر أي من الخدمات المطلوبة مهما كانت، أو أن لا تتوفر الأدوية والمستلزمات الطبية الأصلية والحديثة ومن الشركات والمعامل الأم بدول المنشأ المتقدمة، والتي يتعامل بها أكبر وأشهر المستشفيات المتخصصة والجامعية في الدول الكبرى، وأن تحتكر الدولة فقط توفيرها مباشرةً بعيدًا عن أي وسيلة أخرى رخيصة، وأن تتضمن المنظومة سرعة وسهولة التواصل مع المراكز والمستشفيات المتخصصة العالمية من خلال برامج شراكات علمية متقدمة تؤمن نقل العلوم والمعرفة والخبرة واستخدام تقنيات التواصل والخدمات الطبية عن بعد، وتواجد الأساتذة الزوار على مدار العام في جميع الخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية، وتسمح بانتقال الحالات الصعبة والمعقدة للخارج لذات المراكز والمستشفيات الجامعية العالمية.

وحيث إن ليبيا تتمتع ببنية تحتية صحية معقولة وأفضل من الكثير من دول العالم بالإمكان الاهتمام ببعضها مبدئيًا والتركيز على بعض المستشفيات المرجعية ثلاثية الخدمات الصحية وتطويرها واستكمال تجهيزاتها بالطرق العلمية والفنية والإدارية الصحيحة، بحيث يتوفر بها التشخيص المتكامل والعلاج بأنواعه المختلفة الجراحي والكيميائي والإشعاعي المتقدم بجميع أنواعه، والهرموني والمناعي والبيولوجي والاستهدافي الموجه وزراعة النخاع العظمي والخلايا الجذعية والعلاجات التلطيفية والدعم النفسي، وبالتوازي الاهتمام بمرافق الرعاية الصحية الأولية وجعلها مراكز موحدة متكاملة تقوم بالخدمات الاستباقية والوقائية الفردية والجماعية والخدمات الصحية الشاملة والمتكاملة للأسر والمجتمع لكامل دائرة الحياة قبل البداية وبعد النهاية، بتكامل خدمات اجتماعية وثقافية ورياضية والمشورة الحياتية والنفسية والعاطفية، وهذا مغاير للمفهوم الحالي والإمكانيات الحالية، ومغاير لنوعية الخدمات ومقدميها الحاليين لاختلاف الوظائف وشاغليها وهياكلها وأنظمتها واختلاف جذري في القدرات والكفاءات، والخلفيات العلمية والتدريبية والفنية والإدارية، مما يضمن خدمات الرعاية الصحية الفردية الشاملة والمتكاملة، والمتابعة الصحية اللصيقة، وتجنيب معظم المشاكل الصحية والأمراض لجميع الفئات، مع ضرورة التركيز على التوعية الصحية المجتمعية المستمرة والدائمة، وتغيير السلوكيات والأنماط الحياتية الضارة بالصحة والحياة، والاهتمام بالبيئة والنظافة العامة والشخصية والقضاء على التلوث، والابتعاد عن المأكولات المصنعة والمشروبات الغازية.

وعلى الدولة أن تكثف الرقابة على جميع الأنشطة التجارية والاقتصادية المخالفة للقوانين والضارة بصحة وحياة الناس والبيئة، ومنع التداول والمتاجرة في جميع أدوية ومستلزمات تشخيص وعلاج الأورام، والاقتصار على الدولة ومؤسساتها الصحية ومتابعة لصيقة للأجهزة الرقابية الفنية (الطبية) والإدارية والمالية، وتقديم الدعم التام لمرضى السرطان اجتماعيًّا وماليًّا ونفسيًّا، والإبقاء عليهم في أعمالهم، وأن يتقاضوا كامل مرتباتهم مدة علاجهم، وأن تتحمل الدولة علاجهم بالكامل في الداخل بمستشفيات مؤهلة لعلاج الأورام كما هو بالدول الغربية، والخارج بمستشفيات ومراكز جامعية عالمية ولها خبرة وباع طويل، دون تعقيدات بيروقراطية ولجان وهيئات ومسارات منهكة للمريض وذويه يستفحل فيها المرض وتستنزف مدخراتهم دون جدوى، بهذا يكتمل التسجيل الوطني للأمراض السرطانية ويتم وضع الخطط الإستراتيجية والبرامج التنفيذية العلمية لمكافحة السرطان، وأعتقد أنه لا صعب ولا مستحيل.

زر الذهاب إلى الأعلى