النفي والتهجير القسري
بقلم/ ناصر سعيد
مرت الذكرى الـ 113 على جريمة نفي 5000 ليبي للجزر الإيطالية، مرور الكرام، بينما كانت ليبيا على مدى 4 عقود مضت قبل عام 2011 تحيي ذكرى المنفيين وتعلن حدادًا رسميًّا.. ومن مراسمه يقف الليبيون في مثل هذا اليوم من كل عام خمس دقائق صمت في كافة أنحاء التراب الليبي حدادًا على أرواح المنفيين الذين قام المستعمر الإيطالي بنفيهم قسرًا يوم 26 أكتوبر 1911 إلى الجزر المهجورة والموبوءة في الجنوب الإيطالي، بعد أن واجهت القوات الإيطالية مقاومة شديدة من المجاهدين، مما أدى إلى اعتقال ونفي العديد من القادة والمجاهدين. وتعد هذه أكبر عملية نفي جماعي في ذلك التاريخ وفي ظروف غير إنسانية بالغة القسوة والوحشية.
جرت العادة في هذه المناسبة أن تنكس الأعلام ويضع المواطنون إشارات سوداء، ولافتات سوداء على المباني ووسائل المواصلات العامة والخاصة، وبمختلف الميادين والشوارع.. وتخصص المدارس الحصة الأولى للحديث عن هذه المأساة الأليمة، وحقيقة وأبعاد السياسة الاستعمارية التي تهدف إلى طرد لأهل البلد وتوطين عائلات المستعمر، وتوقف الاتصالات البريدية ورحلات شركات الطيران والنقل البري والبحري داخليًّا وخارجيًّا، وتصدر الصحف أعدادًا خاصة مجللة بالسواد مخصصة للحديث عن أبعاد هذه الجريمة، وتقوم الإذاعات المرئية ببث برامجها بدون ألوان، وتلاوة آيات من القرآن الكريم ترحمًا على أرواح المنفيين، غاب إحياء هذه المناسبة وغيرها من المناسبات الوطنية بعد سقوط الدولة واغتيال قيادتها الوطنية بفعل عدوان الناتو، وعاد الاستعمار من جديد بعد أن تم طرده ليتحكم في المشهد ويدير الشأن المحلي بواسطة السفراء وأعوانهم من العملاء المحليين.
إن سياسة المستعمر في الاحتلال والتوطين وتمزيق الأوطان ومحاولات تقسيمها لا تنتهي، ففي أكتوبر 2016 صدرت تصريحات إعلامية وتسريبات عن دول بالاتحاد الأوروبي، بشأن مشروع أوروبي لتوطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا، والاقتراحات المتعلقة بإقامة مدن لهم في ليبيا، الأمر الذي يشكل خطورة على الأمن الوطني الليبي والأمن القومي العربي وعلى الاستقرار في منطقة المتوسط.
إن تلك الاقتراحات الاستعمارية، تعيد إلى الأذهان عقليات تفكير الاستعمار، وتبين ما لا يدع مجالا للشك الأهداف الحقيقية للتدخل الغربي الوحشي في ليبيا عام 2011، وتسقط كل الذرائع الأخرى التي سيقت لتبريره، وتوضح السبب الحقيقي الذي دفع الميليشيات الإرهابية المرتبطة بأوروبا والممولة والمدعومة منها، إلى تهجير أكثر من مليوني ليبي من مدنهم وقراهم آنذاك.
إن سياسة التهجير القسري التي ينتهجها المستعمر أينما حل لم تقتصر على الليبيين، بل طالت تلك الجريمة الكثير من أبناء الشعب التونسي والجزائري، وشعبنا الأبي الصامد بفلسطين المحتلة التي عانت وتعاني التهجير القسري وسياسة الاقتلاع والاستيطان، فمنذ النكبة عام 1948، مارس جيش الاحتلال أبشع الجرائم لإجبار الفلسطينيين على النزوح والتشرد، حتى بلغ عدد الفلسطينيين في الشتات 6.567 مليون.
وما مجزرة بيت لاهيا شمال القطاع ومجزرة مدرسة أسماء التي تؤوي نازحين بمخيم الشاطئ غرب غزة وما سبقتها من مجازر نازية إلا تجسيد لأبشع صور الإبادة والتهجير القسري في التاريخ الحديث ومنهج لحكومات الاحتلال الصهيوني المتعاقبة.