العرب.. الحلقة الأضعف
بقلم/ محمد بوخروبة
في القرن السابع الميلادي كانت هذه المنطقة العربية كحالها اليوم، ميدانًا لحروب الدول العظمى الفاسدة، ولم يكن العرب طرفًا يحسب له أي حساب، بل كانوا في ركاب الغير، ثم كانت محصلات التراكم غير المرئية ومفاجآت الميدان المباغتة المذهلة، وإذا بالعرب ينطلقون من حيث لا يتوقع أحد وينجحون في تغيير النظام العالمي الفاسد كله، واليوم لا أحد يعلم تمامًا حجم المرارة التي تتعاقب فصولها على قلوبنا وعقولنا، ونحن نرى أن العالم من حولنا لا يقيم لنا وزنًا، ولا يستشيرنا في نهب خيراتنا، ويخطط لبلداننا بمعزل عنا، وكأننا صفر على هامش العصر.
إسرائيل الذراع الطويلة لأمريكا، هذا الوحش الحقيقي المُفلت من كل الضوابط القانونية، والقيم الأخلاقية والحس الإنساني الذي يدمر ويقتل ويستبيح كما يحلو له، والذي صنعه الغرب الاستعماري ليُخضِع به العالم العربي ويسيطر عليه اقتصاديًّا وأيدولوجيًّا، يذكرنا بالوحش المتخيل المرعب “فرانكشتاين” الذي أصبح الآن أقوى من صانعيه يرغمهم ويتمرد ويمارس إرهابه عليهم، حينها حذر المفكر الكبير “دوستويفسكي” العالم من خطر هذا الوحش منذ أكثر من مئة عام، وفي هذا الوقت بالذات استطاعت شعوب أضأل شأنا وأقل مكانة منا، نحن العرب، أن تحجز لها مكانا تحت الشمس، ثم تمضي في بنائه واستغلال ما توافر لديهم منه، إلى أن أصبحت دولًا ذات حضور على الساحة الدولية، وأغدقت على شعوبها خيرًا وفيرًا جنبها الفقر والإذلال والجوع الساكن معنا، ومع ذلك فإن الدلائل تشير إلى أن القادم منه أقسى.
لماذا نحن العرب أمة النصف مليار، رغم ثرواتنا الهائلة وامتلاكنا كل ما يساعد على بناء أوطاننا، نعيش كالموتى، تقسم ثرواتنا بين الورثة الأجانب، ونحرم منها، والصمت الذليل عنوان مراحلنا المتعاقبة، منذ فترة قصيرة طفق بعض المفكرين والزعماء من أبناء جلدتنا يرفعون شارة الخطر من موت العرب، كان هؤلاء المفكرون والزعماء يصرحون بذلك لكي يحرضوا العرب على الخروج من واقعهم المزرى والمهين، لكن العرب لم يستجيبوا ولم يقوموا بأي حراك للخروج من عنق الزجاجة، بل المضحك والمبكي اقتناعهم أنهم في طريق الموت، فأصبحوا يتعاملون مع الأمر كأنه حقيقة إلهية لا راد لها، فناموا نومًا عميقًا، وأصبح لا شأن لهم بكل ما يدور حولهم، تاركين الأجنبي يقيم عليهم صلاة الميت، ثم لماذا نهضت دول كثيرة وسط هذه العولمة السافلة، وأخذت تشارك المجتمع الدولي في حياكة نسيج الحاضر والمستقبل، بينما بقي العرب مستسلمين لأقدارهم الرخيصة، وحولهم من جميع الجهات أمم بنت نفسها وحققت مكانة فرضتها على الغرب اللئيم، وما تركيا وإيران، وعلى الطريق أثيوبيا وربما الكيان المصنوع، سوى نماذج حية لدول وشعوب أقل إمكانية بمرات من العرب، ولكنهم أكثر إدراكًا لحقائق العصر.
هي حالة مريعة، والأشد مرارة أنها مستمرة، ولا ضوء في الأفق يشعرنا بأمل بعيد، وكأن هذا الخريف الذي يجتاحنا لن يأتي بعده شتاء، بل نحن ماضون فيه هبوطًا باتجاه القاع بخطى أسرع من كل شعوب العالم في معوقات النهوض العربي.
خلاصة القول، إن الخروج من هذا الواقع المأساوي الذي تعيشه معظم الأقطار العربية، لن يكون ممكنًا خارج إطار التنسيق العربي، بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي، وصولًا إلى تحقيق وحدة اقتصادية كاملة بين هذه الأقطار، فهي السبيل لبناء القدرة العربية الذاتية، وتنسيق دفاع عربي مشترك، والارتفاع بالمستوى الاقتصادي والصحي والثقافي والحضاري للإنسان العربي، والقضاء على معوقات التنمية والنهوض، وهي الطريق لتجاوز واقع التخلف الراهن، فعسى أن لا يكون هذا النداء في واد سحيق.