من 7 أكتوبر 1911 إلى 20 أكتوبر 2011
بقلم/ ناجي إبراهيم
يوم 7 أكتوبر 1911 استيقظ الليبيون على أصوات القذائف التي تصب حممها وتلقي بنيرانها على المدن الساحلية الليبية من درنة شرقًا حتى زوارة غربًا، تمهيدًا لاجتياح قوات الاستعمار الإيطالي للتراب الليبي في محاولة لضمه إلى الشواطئ الإيطالية، وتعززت هذه الرغبة باتفاق تركي إيطالي في أوشي لوزان تتخلى فيه الدولة العثمانية عن ولايتها على طرابلس مقابل جزر في بحر إيجا وتترك الليبيين يواجهون منفردين قوة استعمارية غاشمة ارتكبت أبشع الجرائم ونكلت بالبشر والحجر، ولم توفر وسيلة لإخضاع الشعب الليبي الأعزل إلا ومارستها من التهجير والنفي والمعتقلات الجماعية في ظروف قاسية، ونصبت المشانق في مواجهة مقاومة الشعب الليبي في ظل انتهاكات صارخة لجميع الأعراف والقوانين والشرائع، ولم تراع فينا إلًّا ولا ذمة، وشرعنت سفك الدم الليبي تحت شعارات أعادوا استخدامها في مرات لاحقة بعد مائة عام، منها مواجهة المتمردين والعصاة، إعمال القتل والتهجير والنفي والاعتقال التي نفذتها قوات الاحتلال الإيطالي منذ 7 أكتوبر 1911 حتى إعدام شيخ الشهداء عمر المختار شنقًا 16 سبتمبر 1931.
لم يمض على تلك الجرائم مائة عام حتى عادت إيطاليا وبالمشاركة مع حلف الأطلسي لتمارس نفس الأعمال تحت شعار أكثر تضليلًا (حماية المدنيين) في فخٍّ آخر مطور وجيل جديد للاستعمار، وداست كل العهود والمواثيق التي وقعتها وصادق عليها برلمانها الذي أدان حقبة الاستعمار وتعهد بعدم تكرار هذا السلوك العدواني ولن تسمح أو تشارك في أي عدوان على الأراضي الليبية، ولكن ما حدث يثبت أنه لا عهد ولا ميثاق لهم متى وجدوا فينا ضعفًا ومتى توفرت لهم الظروف، وجميع الذين لم يقرأوا التاريخ الممتد من 1911 حتى عام 1970 مرورًا بــ 16 سبتمبر 1931 رسبوا في الاختبار عام 2011، بل سقطوا وتلطخوا بالعار وأدخلوا أنفسهم في أكثر صفحات التاريخ سوادًا.
حربنا مع المستعمرين ممتدة ومعاركها متواصلة يوم لنا ويوم لهم، هم لم يعوزوا الحجج للعودة، ونحن لن نترك وسيلة لمقاومتهم وهزيمتهم، فطريقنا شاق وطويل وسيسقط في هذه الرحلة الكثيرون وسيواصلها المؤمنون بالنصر والقابضون على الزناد والمتسلحون بحب الوطن.
لم نقصد أن نعيد على مسامعكم درسًا في التاريخ يعلمه أغلبكم وخاصة الذين ولدوا قبل إغلاق مركز جهاد الليبيين ومنع الاحتفال بمعارك الجهاد التي خاضها الشعب الليبي ضد جحافل روما وهي تنشر القتل والموت في طول الوطن وعرضه، ولكن وجدت من الواجب تذكير المحتفلين بيوم التحرير، وخاصة نواب الشعب الليبي أن إيطاليا لم تتخل عن حلمها القديم في إلحاق بلادنا بروما، وقد عادت في حملة أيرني واستوطنت الأرض التي أخرجت منها عام 1970 من مصراتة إلى صبراتة، ومثلما لم تكن وحدها قبل عام 1970 ها هي اليوم تتقاسم بلادنا مع المستعمر الأمريكي والبريطاني والتركي الذي تخلى عنا عام 1911 لنواجه آلة القتل بصدور عارية، كل الليبيين يشهدون على عودة المستعمرين فيما يصر برلماننا على اعتبار يوم عودته بيوم التحرير.
يحاولون -بدون خجل وحياء- تلطيخ تاريخ شعبنا الذي قدم أكثر من نصف سكانه شهداء في مواجهة جيوش روما في أكبر عملية تزوير وتشويه للتاريخ وللمفاهيم التي ستبعث برسالة مزورة للأجيال التي لم تعاصر معاركنا التاريخية والمشرفة في مواجهة الغزاة على مر العصور، ويواكب هذا التزوير تزوير أكثر خطورة وهو ما تشهده المناهج الدراسية التي ستنتج جيلًا كاملًا مطبعًا مع الاحتلال، وما أقدم عليه برلمان طبرق -إضافة إلى أنه سقوط أخلاقي وقيمي- يثبت أنه لا يمثل الشعب الليبي، بل تحول إلى أداة ويد وذراع للإخوان المسلمين الذين يدينون بالولاء للحكومة التركية وينفذون سياسات الاستعمار الغربي والأطلسي في منطقتنا، وبذلك يكون هذا البرلمان قد فقد شرعيته الشعبية، وكان قد فقدها أخلاقيًّا ويصبح لا قيمة قانونية وشرعية لما يصدر عنه من قرارات ووجب أن يخرج الشعب الليبي عن صمته ليعلن عدم اعترافه بكل الأجسام والكيانات التي أنتجتها فبراير من داخل دهاليز السفارات والمخابرات الأجنبية.