قمة البريكس.. تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين
بقلم/ محمد علوش
انعقدت قمة مجموعة البريكس الـ 16 خلال يومي 22 و24 الماضيين، في قازان بروسيا الاتحادية، وهو ما شكَّل حدثًا دوليًّا مهمًّا من خلال المناقشات مع القادة العالميين من أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية حول خطط التعاون والتنمية، وهذه هي القمة الأولى لدول البريكس بعد التوسع التاريخي للمجموعة، وهي أيضًا بداية جديدة لآلية تعاون البريكس، وآلية التعاون في هذا الإطار، التي تم تشكيلها في الأصل كأداة للتنسيق بين الدول الأعضاء، قد أصبحت رمزًا لرؤية جديدة لمستقبل البشرية، وتمثل أملًا للشعوب في التنمية العادلة للاقتصاد العالمي، حيث تبرز الصين كأهم المروجين الرئيسيين لتعزيز التعاون بين جميع الأطراف.
إن العالم يواجه في الوقت الحاضر تغييرات كبيرة لم يسبق لها مثيل منذ قرن، وفي ظل ذلك، تتحلى آلية تعاون البريكس بأكثر قيمة في العصر، نظرًا إلى أنها تعتبر منصة مهمة للجنوب العالمي لبحث سبل التعاون والسعي إلى التنمية المشتركة، حيث تتميز روح البريكس، بالانفتاح والشمولية والتعاون المربح للجانبين، وتعلو كرايةٍ للتعاون فيما بين بلدان الجنوب التي باتت حقيقة ملموسة وأكثر إلهامًا.
وتتوافق آلية التعاون هذه مع تطلعات عدد كبير من البلدان النامية إلى تحقيق التنمية المشتركة، وفي يناير 2024، بعد انضمام السعودية ومصر والإمارات العربية وإيران وإثيوبيا رسميًّا، أصبحت تمثل الدول الأعضاء في مجموعة البريكس ما يقرب من نصف سكان العالم، وتساهم بأكثر من 50 % في النمو الاقتصادي العالمي، وقد تجاوز إجمالي الحجم الاقتصادي مجموعة السبع من حيث تعادل القوة الشرائية، ولديها القدرة على المساهمة بشكل أكبر في تعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي.
وبالإضافة إلى ذلك، توفر آلية تعاون البريكس منصة وفرصة للبلدان للمشاركة في الحوكمة العالمية، ففي سياق عقلية الحرب الباردة وصعود الأحادية، تمسكت دول البريكس دائمًا بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ملتزمة بحل القضايا الدولية والإقليمية بالوسائل السياسية، ما يتماشى مع اتجاه السلام والتنمية العالميين، وفي المستقبل، سيصبح الدور الإيجابي والمستقر والداعم لتعزيز الثقة والتعاون الدولي لمجموعة البريكس في الشؤون الدولية أكثر بروزًا.
إن هذه القمة استطاعت أن تسلط الضوء على الدور الرئيسي للاقتصادات الناشئة في تشكيل المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي، وستشكل سابقة لاجتماعات البريكس المستقبلية وبما يخدم مستقبل البشرية.
بعض هذه الدول شاركت في قمة قازان؛ وهو ما يعزز من مكانة تجمُّع بريكس ليمثَّل أغلبية عالمية، وهو ما يخلق فرصة هامة على المسرح الجيوسياسي العالمي، وقد بذلت روسيا جهودًا كبيرة في هذا المجال، لمحاولة إيجاد آلية تجارية بديلة ونظام معاملات لدول البريكس، بحيث تكون عابرة للحدود، وبما لا يشتمل على الدولار أو اليورو أو أيٍّ من عُملات دول مجموعة السبع الصناعية، بحيث لا يكون للعقوبات المفروضة على روسيا هذا الأثر الكبير.
هناك اهتمام دول الشرق الأوسط بآلية البريكس وحماستها لتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية الأخرى عن طريق البريكس، في هذا السياق، وتتطلع إلى التنسيق والتعاون مع دول البريكس لتحقيق أهداف التعاون الاقتصادي وإطلاق صوت الجنوب العالمي لمواجهة التحديات. وهذه الدول تحرص على إجراء التعاون الشامل مع دول البريكس الأخرى في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والعلوم والتكنولوجيا وغيرها، بما يقدم مساهمة في السلام والتنمية في العالم، وأعتقد أنها تتفق مع الرؤية المشتركة لقادة البريكس حول التنمية المستقبلية للبشرية، وتتطلع إلى تعميق التعاون مع كافة الأطراف، بغية تحقيق الازدهار المشترك في العالم كله، وهي تتطلع إلى تعزيز التعاون لخلق المزيد من الفرص التنموية والاقتصادية، ورفع العلاقات البينية إلى المستويات المرجوة.
إن انضمام دول الشرق الأوسط سيزيد من دور وفاعلية البريكس في تعزيز السلم والأمن العالميين، فمعظم دول الشرق الأوسط كانت غارقة في مستنقع الاستعمار في الماضي، ولا تزال تعاني من التدخلات الخارجية حتى اليوم، فتمتلك الرغبة الشديدة في صون التنمية السلمية وتحقيق العدالة والإنصاف، الأمر الذي جعلها قوة إيجابية تلتزم بالانفتاح والتعاون وتصون السلام والاستقرار وتدفع التنمية والازدهار وتعزز التواصل والاستفادة المتبادلة.
فلسطين حاضرة بقوة في فعاليات القمة، ورئيسها يحضر ضيف شرف على القمة، لتكون القضية الفلسطينية حاضرة وبقوة على جدول أعمال هذه القمة وعلى أجندات المجموعة المتحالفة فيها في إطار السعي الحثيث من قبل روسيا الاتحادية والصين الشعبية وغيرها من دول المجموعة للبحث في آليات الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام وحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية وبما ينهي الاستفراد الأمريكي في العملية السياسية، ونحن على ثقة كبيرة بما يمكن أن تقوم به هذه المجموعة في إطار إعادة التوازن وإصلاح النظام الدولي وتعزيز العدالة والإنصاف.
وكما أكد الرئيس الصيني، فإن الصين وروسيا وجدتا الطريق الصحيح لكي تتوافق الدول الكبرى المجاورة مع بعضها البعض، والذي يتسم بعدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث، ويتعين على روسيا والصين تحديدًا، وكلاهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي ودولتان رئيسيتان في العالم، تعزيز الاتصالات والتنسيق ضمن الأطر متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ومنظمة شانغهاي للتعاون، وتعزيز النظرة الصحيحة لتاريخ الحرب العالمية الثانية، والتمسك بحزم بالنظام الدولي المتمركز حول الأمم المتحدة، والعمل بشكل مشترك على حماية الاستقرار الاستراتيجي العالمي والنزاهة والعدالة الدوليتين.
إن انضمام دول منطقتنا إلى مجموعة البريكس سيخدم الأهداف الاستراتيجية ويخلق قنوات اتصال مباشرة بينها، وخاصة بين السعودية وإيران بعد فترة وجيزة من استعادة العلاقة الدبلوماسية بينهما، والأمر يجسد بجلاء روح البريكس المتمثلة في الانفتاح والشمول والتعاون والكسب المشترك،ويبشر بتعاظم دور البريكس الإيجابي والمستقر في الشؤون الدولية، الأمر الذي يعزز زخم التعددية ودمقرطة العلاقات الدولية، ويدفع بقوة نظام الحوكمة السياسية والاقتصادية في العالم نحو اتجاه أكثر عدلًا وإنصافًا.