مقالات الرأي

تعلم ثقافة الحوار 

بقلم / المهدي الفهري 

القدرة على نقد الذات والتحكم بأدائها وآدابها والاعتراف بالخطأ وحُسن الاستماع إلى الطرف الآخر مع طرح الأفكار بأسلوب لبق ومهذب من أهم مقومات ثقافة الحوار، وأغلب الأشخاص الساخطين والمنغلقين على أنفسهم هم الباحثون عن السعادة لذاتهم دون سواهم، وهم الذين يجهلون تمامًا أن أعلى درجات الرضا والشعور بالاكتفاء تكون وتكمن في الانتقال من الذات الواحدة لصالح الذوات الإنسانية من خلال فتح قنوات الوصال والاتصال المختلفة مع الآخرين.

وبالإضافة إلى أن قراءة واصطحاب الكتب تجعلنا نكتشف الجديد في كل مرة فهي تخرجنا من دائرة القلق والتعب والرتابة وتبعدنا عن حالة الإحساس بالوحدة والعزلة ومن الغربة أيضًا وتقربنا من حالات الأنس والإيناس مع الغير وتنمية القدرات الفكرية التي تقودنا إلى مرحلة من مراحل التطور الذاتي وتحسين الفعل الانتقائي للعقل بما يجعلنا قادرين على فهم وتحديد حجمنا ومكاننا في الكون بوضوح وبما يذكرنا بأن المصلحة البشرية واحدة وغير منفصلة مهما طغى بعضنا على بعض، ومهما تعددت المصالح والثقافات مما يدفعنا إلى الدنو والاقتراب للبحث عن آليات وقواسم مشتركة للحوار المبني على الندية والاحترام وليس الحوار المبني على الأوامر والنواهي أو على الطاعة والولاء الأعمى، وتلك ثقافة تقلل من قيمة الإنسان وقدره وتحط من كرامته وإنسانيته، وهذا ما يدعونا إلى تعلم فن الإصغاء لتعلم فن الحوار وانتقاء أسلوب الحديث واستخدام لغة تقربنا من قلوب الناس وملامسة مشاعرهم وتكون أكثر مرونة وليونة وجاذبية.

ما أجمل أن يقوم المجتمع بغرس ثقافة الحوار لأفراده منذ الصغر من خلال مؤسساته التعليمية والثقافية والاجتماعية، ويسهم بالتالي في إعداد وتقديم جيل ملم بطرق ونمط المطارحة والمناظرة ومُتقن لأدب الحديث والنقاش وقادر على تنوير وتطوير وسطه ومحيطه المهني والاجتماعي ليتولى ملء الفراغ الفاقد لأسلوب وحرارة اللقاء والناتج عن اتساع دائرة الجفوة والقطيعة والنفور، فغياب القيم والمبادئ الراقية للتلاقي يفتح الفرصة للجهل بالتفشي وللفساد بالتمدد ويزيد من فرص وحجم المآسي والكوارث في الانتشار لتلاحق الأجيال وتنتقل معها من جيل إلى جيل الأمر الذي يدعو إلى الحاجة للقيام بتحرير العقول من عقالها وخلق جيل أكثر وعيًا وعقلًا وتجاوزًا لثقافة الانطواء والإقصاء وأشد رفضًا لثقافة التخلف والهزيمة جيل مؤمن بقضايا المجتمع وقيمه ومحصَّن بالوعي وبالمعرفة وبأدوات ووسائل الإبداع والتألق ومقارعة التحديات القادمة ومولع بثقافة الانتصار. الجيل الذي يطمح إلى كسب رهانات المستقبل وفرض وصنع واقع جديد يليق به ويناسب عصره وزمانه، جيل ينسجم ويتفق مع طموحاته وآماله ويستجيب لنداء الوطن ويضع حدًّا لمشاكله التي عادة ما تأتي وتتراكم نتيجة الانغلاق وانسداد الأفق وانحصار التفكير على المكاسب الداخلية المؤقتة وقبول العيش في إطارها الأناني الضيق، جيل يتعلم كيفية التصرف والتعاطي مع الأحداث ويتخذ من الحوار أفقًا للفكر وجسرًا للتواصل وتبادل الأفكار والقناعات.

زر الذهاب إلى الأعلى