هوية المقاومة ولعبة الاصطفافات
بقلم/ عبدالمجيد قاسم
الأحداث المتسارعة في غزة ولبنان باتت محل مراقبة الجميع، خاصة أن الحرب قد تترتب عليها أمور لها تأثيرها في استراتيجيات دول المنطقة، وفي لعبة التحالفات الدولية، الأمر الذي يحتاج إلى تسليط الضوء قليلًا على هوية المقاومة.
فالمقاومة الآن، بل ومنذ اتفاقية السلام بين مصر والكيان الصهيوني تركزت في حركات المقاومة التي يمكن تسميتها بالإسلامية، في غزة، حيث حركة حماس، وفي جنوب لبنان حيث حزب الله، فكلتا الحركتين، تتفقان في مشروع مقاومة الوجود الصهيوني في المنطقة، وتتفقان في الخلفية الأصولية، فكلتاهما تصنفان على أنهما إسلاميتان، والاختلاف هو في كون إحداهما شيعية، وهي حركة حزب الله، والأخرى سنية وهي حركة حماس.
الأمر بهذه الصورة كان له انعكاسه على الدول التي تقف وراء هذه الحركات، فقد تقاسمت الدور في دعمها الدول العربية السنية، وإيران الشيعية، فكانت الأخيرة هي الداعم الرئيس لحزب الله، وكان بعض الدول العربية داعم لحركة حماس، مع اختلاف في مسافة القرب والبعد بحسب اختلاف الموقف.
واستمر الأمر حتى وقعت أحداث السابع من أكتوبر، فصفت الدول العربية السنية اصطفافًا مغايرًا بين مفضل للحياد، وبين داعم للكيان بشكل غير مباشر من خلال فتح الأجواء، والسماح بمرور الإمدادات والبضائع عبر أراضيه إلى الكيان.
بينما وقف الإسلام الشيعي متمثلًا في إيران والحوثيين في اليمن موقف المساند والداعم بشكل مباشر للشعب الفلسطيني في غزة، وقامت اليمن بالدخول إلى جبهة القتال مباشرة عبر منعها مرور البواخر المتجهة صوب الكيان، بل واستهدافها، وعبر توجيه المسيرات والصواريخ نحوها مباشرة.
وقد وقفت إيران ذات الموقف، وها هي مؤخرًا وبعد أن دخل حزب الله ولبنان الحرب توجه ضربة مباشرة استهدفت قواعد عسكرية داخل إسرائيل، ولأول مرة بعد استهدافها من صدام حسين في حرب الخليج.
الأمر إذن اختلف، فالدول العربية باستثناء اليمن باتت في موقف المتفرج من هذه الحرب التي تريد إسرائيل من ورائها البدء في مرحلة جديدة تكون إسرائيل والمنطقة جزءًا من شرق أوسط جديد لا علاقة لها لا بالعروبة ولا بالإسلام.
فإذا نظرنا إلى الموقف الدولي من الحرب فإن اللاعب الوحيد هو الولايات المتحدة الأمريكية، مع غياب كامل للدور الروسي والتركي، والإدارة الأمريكية تنطلق من إيمانها بمبدأ القوة ناظمًا للعملية السياسية ومخرجاتها، وقد سعت واشنطن إلى تحييد العالم والمنظومة الدولية ممثلة في الأمم المتحدة، وتغييب دور الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، لصالح فكرة الحسم بالقوة العسكرية دون اكتراث بمعاناة السكان في مناطق الحرب.
لقد نجحت المقاومة في غزة ولبنان إلى حد بعيد في إبراز الصورة الحقيقية للصراع العربي الإسرائيلي، وإبراز الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني، وتجديد روح القضية الفلسطينية، لكن الكيان من جهة أخرى نجح في حصر الصراع داخل حدود الصراع، وفي تحييد العامل (الإثني) فيه، الذي يشمل الدين والعرق، وفي خلق نوع من عدم الثقة في جدوى الاستمرار في المقاومة، والقادم، وهو مرحلة ما بعد السنوار، سيكون نحو التهدئة، فالقضاء المبرم على المقاومة ليس من أهداف الكيان، لأن بقاء المقاومة بعد قص جناحيها لازم لتبرير ما يحتاجه هذا العدو من تحركات مستقبلية.
أخيرًا فإن تقييم العملية برمتها لن يكون متاحًا بشكل واضح إلا بعد انتهاء الحرب، حيث يمكن مراجعة النتائج بمنطق الربح والخسارة، ليس لأطراف الحرب وحسب، بل ولشعوب المنطقة بكاملها.