لله درك يا أمة العرب!
بقلم/ فرج بوخروبة
يقول الشيخ الغزالي: لا نهضة إلا بغربلة التراث أولًا! ويقول المفكر والتنويري السوري جورج طرابيشي: علينا ألا نسمح للتراث أن يجرنا إلى الوراء، بل يجب أن نتخذ منه عتلة للقفز إلى الأمام! فمراجعة العرب لتاريخهم، وماضيهم، وفهم الواقع في سياقه التاريخي، والدعوة إلى غربلة التراث، تعني وجوب عملية الغربلة والانتقاء، لأخذ الإيجابيات نحو وعي جديد يتزامن مع الأزمة الحضارية! ولا يتأتى ذلك إلا إذا اعتبرنا غربلة التراث شرطًا من شروط النهضة، ويتم ذلك بطرح أسئلة معرفية تحرك بحر الأفكار الراكدة بحسب قول الشيخ الغزالي!
وبعيدًا عن تقديس وتأليه التراث الإسلامي وفهمه بما يتنافى وروح النص القرآني والنصوص الشرعية التي جاءت على لسان النبي الكريم، تلك أمة قد خلت، وخلف من بعدهم خلف أضاعوا بوصلة الإسلام بالمفاهيم والتفاسير الواردة عن اجتهادات أدمغة أصحاب العمائم! لم يكن العرب في أحسن حالاتهم منذ الخلافة الأموية ثم العباسية إلى أن انتهت على يد المغول، من ثم توالت عهود الخلافة حتى نهاية حقبة الرجل المريض بداية القرن العشرين.
وحينما كانت أوروبا تغرق في ظلام الجهل في العصور الوسطى كان العرب في أوج مجدهم من خلال سيطرتهم ونفوذهم شرقًا وغربًا على وجه الأرض، بفضل الفتوحات الإسلامية التي مهد لها الخلفاء الراشدون، كانت الأمة العربية وقتها تزخر بالعلماء والتنويريين من رجال فكر وفلسفة وعلم اجتماع وتاريخ وجغرافيا وثقافة وآداب وفنون، ناهيك عن العلوم التطبيقية من فلك وطب وصيدلة وهندسة وخلافه يتميزون بها عن سائر الشعوب الأخرى التي كانت تعيش تحت وطأة الفقر والجوع والبطالة وظلم الإقطاعيين ورجال الدين (الكهنوت)، وكهنوت هو أن يكون للكاهن أو رجل الدين سلطة فوق الكل، على طريقة القساوسة في العصور الوسطى للوصول إلى الحكم عندما كانت لهم سلطة فوق سلطة الحكومات والشعوب.
والمؤسف أن العرب تصدوا لعلمائهم وحاربوهم تحت تأثير الخرافة والأسطورة الموروثة عن عصور الجهل، والإيمان بما وراء الطبيعة أو بما يعرف اصطلاحًا بالماورائيات أو الميتافيزيقا، والحكم باسم الدين، وفق قاعدة الحاكمية فوق الدستور، تناغمًا مع حق الإمامة عند الشيعة، باعتبار أن الإمام هو الخليفة المُعين من قبل الله تعالى! وأخذوا على عاتقهم حربًا من شأنها أن تكدر صفو هذه السيادة المحتكرة والتفرد بمنبر القداسة ونبذ كل ما يخالف معتقدهم الموروث، دون النظر إلى مدى خطورة عدم مجاراة العالم وتضييق الهوة في تسابق مع الزمن الحاضر استشرافًا لمستقبل المنطقة العربية لتطوير البنية الأساسية للتنمية البشرية المستدامة والعمل بنظام الحكم الديمقراطي والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والدعوة إلى حرية التعبير، وحرية الرأي والرأي الآخر، والعدل والمساواة بين الأفراد والمجتمعات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع بعقول متفتحة مدركة لا بعقلية مرتدي العمامة التي ترمز إلى رجل الدين أو العالم المحرم أكل لحمه المسموم، الذي يرى نفسه الوصي على الأمة كوكيل لله على أرضه (الحاكم بأمر الله).
يقول طه حسين: اليونانية نجحت عندهم الديمقراطية لرجاحة عقل وفلسفة، بينما فشلت عند العرب لأنهم مجتمع بدوي إضافةً عن كونها حضارة فقه! وحارب العرب باسم الفقه الإسلامي كل من خالفهم الرأي، وكان نصيب العلماء والتنويرين العرب في عصرهم الذهبي الويل والثبور، كفروا من كفروا وقتلوا من قتلوا وحرقت كتب ومؤلفات، وتمت محاسبة كل مخالف لهم باعتباره خارجًا عن الملة ووصفهم بالزندقة والردة والمبتدعة! وبذلك أنهت الأمة نفسها بمحاربة مبدعيها وأهل العلم والمعرفة، وتقوقعت تحت عباءة الدين بمقاييس عقولهم، في الوقت الذي قاد فلاسفة العالم الغربي شعوبهم إلى عصر النهضة الحديثة والعولمة، وأناروا لهم الطريق إلى الحضارة التي أصبحت الآن نموذجًا يحتذى به في عصر الحداثة، وما زال ما يسمى بالعلماء المسلمين في غيهم يعمهون! تحت نير الأفكار والمعتقدات الدينية البالية تحت ستار الدين، وإذا ما غصنا في خبايا التاريخ فسنجد أنفسنا أمام تحديات كثيرة قد تكون لها انعكاسات سلبية على المجتمع الإسلامي الذي يعيش في عصر العولمة بعقلية القرن السابع الميلادي!
وإذا ما استدعينا التاريخ فسنذكر قادة العرب وانتصاراتهم وعزهم ومجدهم الذي نفقده اليوم ونحن نعيش حصار الأمة العربية والإسلامية في ظل غياب وعي سياسي عميق وفكر يقود الأمة إلى مواجهة التحديات والأزمات التي تواجهها الأمة أمام تحديات العصر الحاضر والمستقبل المجهول، أين العرب اليوم مما هم فيه من هوان وانكسار أمام غطرسة الصهاينة وعنجهيتهم، وفرض سيطرتهم وبناء مستوطناتهم على حساب أهل الدار الحقيقيين، على مرأي ومسمع قادة العرب الخانعين القابعين في مخابئهم متسلحين باتفاقيات ومعاهدات السلام والتطبيع مع إسرائيل بمباركة أمريكا وحلفائها الأوربيين؟!
قادة العرب المنددون والمستنكرون والمستهجنون! تصنعًا بوجوه باردة لتسجيل موقف سياسي أمام شعوبهم ليس إلا، وفي الخفاء وجه آخر يفاوض من أجل السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، حفاظًا على مشاعر صديقتهم من طرف واحد، وعدوتهم اللدود كعرب دون استثناء! تراهم يلهثون وراء إرضائها وفهم موقفها من الصراع القائم مع حماس والجهاد وكتائب القدس، المجرمين في نظرهم وذلك لإقدامهم على مواجهة الاحتلال والنيل منه، ولو بحجارة مقلاع.