مقالات الرأي

نافذة على بطش الإنجليز بمسلمي الهند

بقللم/ ناصر فرج صالح رحيل

انتهج الإنجليز في احتلالهم للقارة الهنديةأسلوبَ المكر والخداع، ولعبة تبادل الجياد للتسلُّل إلى داخل الهند، تمامًا مثل الأفعى ناعمة الملمس التي تَنساب بكلِّ هدوء حتى تلتفَّ حول ضحيَّتها وتنفث في جسدها السمَّ الزُّعاف؛ ثار الشعب الهندي ضد الاستعمار الإنجليزي وشركة “الهند الشرقية” المستغلة لأسباب اجتماعية ودينية واقتصادية، كان للمسلمين الدور البارز فيها، فقد كانت ذكريات تمرد القائد المسلم “فتح علي خان” الملقب “تيبو سلطان”حاضرة في الأذهان وهو الذى كان يحرض أمراء الهند على الوحدة ويقول اطردوا “الجرثومة الخبيثة” يقصدالإنجليز، وحاول الاتصال بالسلطان العثماني سليم، وشنحرب عصاباتلا هوادة فيها على الإنجليز وأذنابهمكادت تقطع دابرهم، لولا مكرهمواستمالتهم لبعض أمراء الهند في الجنوب.

رفض الاستسلام أو لعب دور العمالة رغم كل المغريات، استشهد في ميدان القتال وهو صائم 1799، يردد كلمته المشهورة عند مسلمي الهند “يوم من حياة الأسد خير من مئة سنة من حياة ابن آوى”، وقف القائد الإنجليزي (Hotse) على جثمانه في أرض المعركة وقال: اليوم الهند لنا، قال عنه المهاتما غاندي: لم تعرف الهند أعظم منه في شهداء الوطن والآمة.

مرت الأيام والسنون لكن الشعوب لا تنسى ثأرها، وحسابها المفتوح مع قوى الاستعمار الصليبي ثارت الهند 1857تحت قيادة أحد ملوك المغول المسلمين “سراج الدين بهادرشاه” في العاصمة “دلهي” انضم إليه كل وطني غيور من العلماء والفقهاء وقادة الطرق، فيما بقي الخونة من الأعراق والأديان في مكانهم الطبيعي يحركهم الاستعمار مثل الدمى.

برزت قيادات هندية مسلمة، غير أن ديدن الخيانة والغدر وشراء الولاءات ليس بالجديد على العمل المقاوم، فبعد أشهر من القتال أخذت تظهر علامات الإخفاق وبوادر الهزيمة، وأصبح القادة يسقطون الواحد تلو الآخر تحت وابل قذائف وأسلحة الإنجليز المتطورة، عندها حانت فرصة تصفية الحساب المفتوح مع دلهي والمسلمين، فقد قتل الإنجليز أغلب أفراد الأسرة الملكية المسلمة في دلهي بعد أن أعطوهم الأمان بطريقة امتعض منها بعض الإنجليز أنفسهم وهم يرون دموع الأميرات من شرفات القصور ينتظر مصيرهن المحتوم.

كتب القائد الإنجليزي “جون لورنس”إلى مليكه: “أعتقد أن الطريقة التي انتهبنا بها، وقتلنا بها جميع الطبقات من غير تمييز ستصب علينا السخط واللعنات إلى الأبد وإننا لا نستحق ذلك.

قام سوق القتل والانتقام من المسلمين بأثر رجعي، حيث سفكت الدماء وضربت الرقاب، وأطلق الرصاص عنانه، وعزفت المدافع لحن الموت، من غير تمييز حصد آلاف الضحايا من الأطفال والنساء حتى تراكمت الجثث في الطريق والساحات وأصبحت مدينة مثل دلهي مدينة أشباح وأكوام البشر المستغرقين في النوم الأبدي تكاد لا تنتهي، إنها تجليات الثقافة الغربية عندما تنتصر.

يقول اللورد روبرتس في رسالة: “إننا نقتل المتمردين المسلمين بطرق شتى، أفضلها أن يرمى الرجال بإطلاقات المدافع وهم مقيدون، إنه منظر هائل، إن هدفنا أن نثبت للمسلمين الأشرار أن الإنجليز لا يزالون سادة الهند والعالم”.

الغريب أن معظم الصحف الإنجليزية كانت غاضبة من قصص الاغتصاب وقتل الأطفال المزعومة التي ارتكبها المسلمون ضد الإنجليز في الهند، فلم تؤيد الرأفة من أي نوع تجاه الثوار، في تطابق عجيب مع سردية الاحتلال الصهيوني الآن وتبريرات وسائل الإعلام له حول حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إنها سخرية التاريخ ممن لا يقرؤون سطوره وعودتهُ المتكررة، مع ثبات الضحية دائمًا وإن تغير جلادُها.

زر الذهاب إلى الأعلى