موسكو وكسر هيمنة القطب الواحد
بقلم/ ناجي إبراهيم
تتعرض الأمة العربية لهجمة استعمارية شرسة وغير مسبوقة تشي بمخطط يجري تنفيذه وقد تم رسم ملامحه وتحديد مداياته في فترات سابقة، وقد يطال ليس فقط منطقتنا بل ربما يشمل مناطق أخرى في العالم، يعتقد أنها قد خرجت من عباءة الغرب الاستعماري وانخرطت في مشروع آخر جديد يكسر هيمنة القطب الواحد الذي انفرد بالقرار الدولي منذ تسعينيات القرن الماضي عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وحتى اليوم، ولا شيء يمنع أو يعطل هذا الزحف والتغول الاستعماري إلا مقاومة الشعب الفلسطيني واللبناني وشعوب العالم، وهذا التصدي الذي تقوم به المقاومة يتطلب دعم الدول التي ترفض هيمنة القطب الواحد، وخاصة الصين وروسيا التي ستكون هي الأهداف القادمة لهذا المشروع.
ما جرى منذ السابع من أكتوبر2023 كشف لنا انحياز ما يسمى المنظمات الدولية السياسية والقانونية للمشروع الغربي الاستعماري وتحويلها إلى أدوات تستخدمها الدول الاستعمارية لتبرير القتل والإبادة التي ترتكبها ضد الأبرياء والمدنيين في فلسطين ولبنان واليمن، ومناطق أخرى في العالم طالتها وتطولها صواريخهم وتصلها جيوشهم.
بتنا نقترب أكثر نحو اندلاع الحرب العالمية الثالثة التي إذا اندلعت ستغير خريطة العالم، وما يؤكد ذلك هذه الاصطفافات التي تجري بين القوى الدولية من أوكرانيا التي تشهد حربًا شرسة تخوضها موسكو منفردة في مواجهة حلف شمال الأطلسي، إلى الحرب التي تخوضها المقاومة اللبنانية والفلسطينية مدعومة من إيران في مواجهة نفس الحلف الذي تواجهه روسيا في أوكرانيا دون أن تغتنم الفرصة لمواجهته على الأراضي العربية، وعلى الرغم من تواجد قواتها وقواعدها على الأراضي السورية التي تتعرض لعدوان يومي بفعل الطيران العسكري الصهيوني، لم نفهم هذا الصبر الروسي وهذا البرود وهي تواجه خطر فقدانها موقعها الوحيد في المياه الدافئة الذي سيمثل تهديدًا لموسكو إذا ما خسرت معركتها الأخيرة في أوكرانيا، لم نفهم إلى هذه اللحظة عدم انخراط روسيا في هذه المعركة التيقدمت لها على طبق من ذهب ولتكون فرصة لتشتيت جهود حلف الأطلسي الذي يقاتلها على أعتاب موسكو، وهي تعلم وتدرك إذا انتصر الحلف في منطقة الشرق الأوسط فستكون معركته القادمة في موسكو منطلقًا من أوكرانيا، وسيكون أكثر قوة وتصميمًا على هزيمتها وإعادتها للحظيرة الغربية.
هذه فرصة تاريخية لروسيا لجر حلف الأطلسي لمعركة طويلة لا تنتهي لتخفيف الضغط الذي تواجهه على الأراضي الأوكرانية وبأقل تكلفة من التي تتكبدها في حربها على أوكرانيا ودون اللجوء إلى استخدام السلاح النووي أو التلويح به، ويعفيها من الترتيبات الأمنية التي عقدتها مع القوات التركية والأمريكية على الأراضي السورية والتي مكنت القوات التركية والأمريكية من تواجد مريح وآمن في سوريا وأتاح لها تقديم الدعم والحماية للكيان الصهيوني الذي يواجه مخاطر الزوال بفعل المقاومة الإسلامية، جاءت بدل الفرصة عشر لكي تقطعالأنف الأمريكي الذي تحشره اليوم على أبواب موسكو، ما كان لواشنطن أن تدس أنفها في المواجهات التي تجرى اليوم على بوابات الكرملين وطالت أسلحتها كل مكان في روسيا، ما كان ذلك سيحدث إذا استخدمت روسيا هذه المعارك التي تجرى في المنطقة لإلحاق الهزيمة بالغرب التي لم تحققها على الساحة الأوكرانية.
السلوك الروسي يثير الشكوك وغير مفهوم، إلا إذا كان في الكواليس مقايضة منطقة الشرق الأوسط بأوكرانيا، وبذلك يكون الحليف الروسي طرفًا غير موثوق به، الأمر الذي سيضر بعلاقاته بدول عديدة في العالم وعلى رأسها مجموعة البريكس، ونكون نحن العرب قد وقعنا في خديعة أخرى كالتي بلعنا طعمها ونحن ننخرط في معركة مع بريطانيا في مواجهة الدولة التركية التي كانت تحتل منطقتنا فيما سميناه الثورة العربية الكبرى، ولنستبدل الاحتلال التركي باحتلال فرنسي بريطاني وسايكس بيكو الذي قسم ما وحدته الدولة العثمانية باسم الإسلام لنستلم دويليات مقسمة وضعيفة تطلب الحماية التي لن تستطيع توفيرها إلا القوى التي تحتل منطقتنا، وليس هذا فحسب أغرقونا في ديون لن نستطيع الفكاك منها، وتحولت إلى مسمار جحا يتيح لهم الإمساك بسياساتنا الداخلية والخارجية، والخدعة الثانية التي لم ولن تكون الأخيرة انخراطنا معهم في الحرب العالمية الثانية، وكانت شعوبنا حطبها وميدانها وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى أوجدوا لنا مسمارًا آخر بإعلان دولة يهودية في فلسطين بدعم ورعاية غربيةالذي نراه اليوم يحشد الجيوش والأساطيل دفاعًا عنها بعد أن تمكن من إلحاق الهزيمة بنا وإضعافنا وضرب القوى القومية والوطنية فيما يسمى (الربيع العربي) لينفرد بالمقاومة الفلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية، وستتواصل هزائمنا وسيطول احتلالنا ما وجد بيننا من يصدق وعود الغرب ويسلم لهم مفاتيح الحل ويستجدي الحلول من المبعوثين الدوليين.