قضية العدالة والشعوب الحرة الرافضة للاضطهاد والتبعية والاحتلال
بقلم/ محمد علوش
تحولات سريعة وعميقة تجري بالعالم، وعلينا تحديد موقعنا منها، وخصوصًا في ظل الهيمنة الأمريكية والشراكة الأمريكية المتكاملة في حرب الإبادة الجماعية والجرائم الوحشية والدموية الإرهابية التي تنفذها إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبشكل خاص في قطاع غزة الذي يتعرض لجريمة منظمة ومتواصلة من قبل جيش الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي الكولونيالي.
وما يهمنا هو موقف الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية الذي تميز بعكس كل الإدارات السابقة، وأخذ منحى ظهر فيه إبان الحملة الانتخابية مقدار عالٍ من التطابق سياسيًّا مع الائتلاف اليميني العنصري الحاكم في إسرائيل، وهذا التطابق أخذ منحى بدا مختلفًا عن الإدارات السابقة، فيما يتعلق بالقدس واعتبارها غير محتلة، ولذلك كان نقل السفارة للقدس جزءًا من الحملة الانتخابية التي كرستها إدارة ترامب، وإن تراجع التنفيذ الآن فإن هذا لا يعني بالمعنى السياسي أن هذا التطابق بالموقف قد تغير إلى غير رجعة، وأيضا الموقف من الاستيطان باعتباره لا يعيق عملية السلام، وأنه من غير الواقعي تحقيق حل الدولتين.
أمام هذه الصورة التي قد يعتبرها البعض قاتمة، نرى أنه رغم هذه التحديات الكبيرة من الممكن توليد فرص واستثمارها والبناء عليها لتثبيت أولوية القضية الفلسطينية إقليميًّا ودوليًّا، واشتقاق سياسات واقعية وعملية ملموسة تخدم هذا الهدف، ونحن نرى أن تزايد الحضور الروسي والصيني مع تراجع أمريكي ملموس قد يتزايد جراء السياسة الانكفائية للإدارة الأمريكية، وبخاصة، وأن هناك استحقاقًا انتخابيًّا قريبًا، وبدايات تشكل عالمًامتعدد الأقطاب من شأنه أن يعيد حالة التوازن المختلة بالعلاقات السياسية الدولية، وبالطبع بالمنطقة العربية، ويشكل عامل إسناد للقضية الفلسطينية.
رغم صعوبة وتعقيدات الوضع العربي وعمق الانقسام الذي يضرب العمل العربي المشترك، فإننا نعتقد أنه مازال بالإمكان اعتبار مبادرة السلام العربية أساسًا وقاعدة للموقف الرسمي المشترك للوصول إلى السلام الدائم والشامل بالمنطقة، خصوصًا بعد فشل محاولات تعديل مبادرة السلام العربية لقلبها بالبدء بالتطبيع قبل الانسحاب.
يحاول البعض فلسطينيًّا وفي هذا المناخ المتغير الوصول إلى استنتاجات تؤدي إلى الخلط بين الهدف والوسائل، فهدفنا كان وما زال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، وإذا تعثر الوصول إلى الهدف بالعملية السلمية والمفاوضات، وهي وسيلة وليست هدفًا بحد ذاته، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال تغيير أهدافنا، والتخلي عن هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي نلنا دعم واعتراف العالم بنا، وبها على هذا الأساس، وليس على أساس سياسي آخر.
إن الرهان على تطوير العامل الذاتي الفلسطيني، بالذهاب مباشرة إلى تعزيز أوضاعنا الداخلية عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية كاملة الصلاحيات في غزة والضفة، تنهي الانقسام وتعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني، وتجديد الشرعيات الوطنية وتحصنها بعملية ديمقراطية حقيقية، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أساس برنامج سياسي واقعي وملموس يقوم على أساس الثوابت الوطنية الفلسطينية، ومن الضرورة تصليب الأوضاع الداخلية الفلسطينية، بما يعزز من صمود أبناء شعبنا، لمواجهة كافة التحديات في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به القضية الفلسطينية، في ظل انسداد أفق العملية السياسية وخطط الاحتلال الهادفة لما تسميه حسم الصراع، وتصاعد إجراءاتها أحادية الجانب التي تستهدف الأراضي الفلسطينية والحرب الإجرامية العدوانية التي يقوم بها الاحتلال في قطاع غزة والتي ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية والجرائم بحق الإنسانية.
علينا مجابهة كافة التحديات التي تواجه شعبنا وقضيتنا الوطنية، وأن نكرس موقفنا بأن لا أمن ولا سلام ولا استقرار في المنطقة دون حل القضية الفلسطينية وتقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فكافة اتفاقيات التطبيع مع دولة الاحتلال لن تحقق أي استقرار في المنطقة، بل تمثل تطبيعًا مجانيًّا يكافئ الاحتلال، ما يتطلب تعزيز وحدتنا الوطنية البرنامجية في مواجهة هذه الاتفاقيات.
نطالب بمحاسبة دولة الاحتلال على جرائمها بحق شعبنا، والكف عن التعامل معها كدولة فوق القانون والكيل بمكيالين ومعايير مزدوجة تجاه قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وبخاصة في ظل جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف والعنصرية والفاشية الجديدة التي عبرت عنها بحربها الظالمة والمستمرة ضد شعبنا والتي أسفرت عن دمار شامل وخسائر باهظة في الأرواح والممتلكات والنزوح القسري بسبب القصف والعدوان الإسرائيلي والجرائم الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال بدعم وإسناد من التحالف الغربي الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
لا يمكننا التعويل على الإدارة الأمريكية، ولا نحمل أي رهان على أن هذه الإدارة يمكن أن تمارس أي ضغط من أي نوع كان على حكومة الاحتلال الإسرائيلي، فالإدارة الأمريكية ما زالت شريكة لحكومة الاحتلال رغم التباين في المواقف تجاه الوضع الداخلي الإسرائيلي وليس تجاه عملية السلام.
وتبقى القضية الفلسطينية قضية الحرية والعدالة وقضية كل الشعوب الحرة الرافضة للاضطهاد والتبعية والاحتلال، حيث تخوض شعوب العالم اليوم انتفاضة الحرية والانتصار لعدالة القضية الفلسطينية في مواجهة الغطرسة الأمريكية والإمبريالية المتوحشة.