في يوم الشهداء.. المعركة مستمرة
بقلم/ مصطفى الزائدي
رغم الانتصارات التي أنجزتها حركة التحرر العربي بعد الحرب العالمية الثانية، وتحقيق الاستقلال الجزئي لبعض الأقطار العربية ومحاولات بناء قدرات قطرية وتشكيل تكتلات قومية وانتشار التعليم وتحسن ظروف الحياة بقدر معين في بعض الأقطار، والتوسع في إنتاج النفط والغاز، تمكن الاستعمار من العودة من جديد بأشكال مختلفة وفي صور متعددة أخطرها التواجد العسكري المباشر من خلال قواعد منتشرة في طول الوطن العربي وعرضه، كما نجح في تقوية نفوذ عملائه في المناطق التي لم تستقل وتمكينهم من السيطرة على الموارد وتسخيرها لخدمة مصالحه.
وليقينه أن تلك المكاسب ستذهب أدراج الرياح بمجرد حدوث صحوة عربية ثانية ستقذف به وقواعده وعملائه إلى الخارج، قام الاستعمار بتعزيز وجوده والمحافظة على نفوذه المستدام في نظره من خلال الكيان الذي زرعه في قلب الوطن العربي وإحلال اليهود محل السكان الأصليين ليفصل المشرق العربي عن المغرب، ويخلق بؤرة صراع مستمر تمنع العرب من التفكير في البناء والتقدم وأخذ موقعهم بين دول العالم، ومن جانب آخر للتخلص النهائي من اليهود المكروهين في الغرب لما اقترفوه من جرائم في حق شعوبها.
ولأن العرب أمة مكلفة بحمل رسالة سماوية إلى الناس كافة في كل مكان فاستمروا في مقاومة المستعمر وقدموا قوافل الشهداء لتحرير الوطن والإرادة.
المعارك المتواصلة والمترابطة في كل الخريطة العربية عكست التصميم على انتزاع الحرية وحمل الرسالة، وظهر خلالها قادة عظام من أمثال عبدالقادر الجزائري وغومة المحمودي وعمر المختار وأحمد عرابي ويوسف العظم وعزالدين القسام وغيرهم من القادة، إلى أن خرج جمال عبدالناصر الذي أعطى لمحاربة الاستعمار أبعادًا فلسفية ونضالية، وطرح أهداف الثورة العربية في تحقيق الحرية والاشتراكية وبناء الدولة العربية الواحدة، فربط التحرر من المستعمر بالعدالة الاجتماعية وتنمية موارد الأمة وتحقيق الرفاه وبناء دولة قوية قادرة على ممارسة دورها في العالم، فالتحم به عبدالسلام عارف وأحمد بن بلة وهواري بومدين وصالح بن يوسف ومكاوي وشكري القواتلي وياسر عرفات ومعمر القذافي وغيرهم من أبطال الأمة.
أهم سمات المعركة المتواصلة لأكثر من قرن من الزمان استشهاد القادة مع المقاتلين، فهم لا يقودون من الخلف، بل يتقدمون الصفوف ويخوضون المعارك ببنادقهم مع جنودهم، وهكذا استشهد عمر المختار والقسام، وفي 20 أكتوبر عام 2011 استشهد القادة الأبطال معمر القذافي وأبو بكر يونس والمعتصم بالله وعزالدين الهنشيري وغيرهم من أبطال الرتل الموسوم بالعزة والكرامة وهم يواجهون عدوان الناتو على ليبيا الذي استمر طيلة ثمانية أشهر كأطول حرب يخوضها الناتو وحلفاؤه بعد الحرب العالمية الثانية والتي جرت ضمن ترتيبات الغرب لإخضاع الدول العربية المعارضة لسياساته فيما عرف بالربيع العربي الذي كان في واقعه ربيعًا عبريًّا، حتى يجْهزوا على ما تبقى من فلسطين وتدشن دولة الكيان كقائد للدويلات العربية المهزومة والمأزومة.
وفي أكتوبر 2024 استشهد الأسطورة أبو إبراهيم يحيى السنوار في مشهد لن يستطيع العدو تشويهه مهما عمل.
السؤال هل ستجهض معارك الأمة باستشهاد قادتها المقاومين؟
العدو وأذنابه من لابسي الجلابيب العربية يتوهمون ذلك، أما نحن فعلى ثقة بأن استشهاد القادة سيؤجج نيران المقاومة ويقويها، ويدفع بمزيد الأبطال الذين يبحثون عن الاستشهاد للانخراط في صفوفها ومنهم سيبرز قادة أشد بأسًا.
في يوم الشهداء علينا أن نتحلى بالصبر ونتوكل على الله ونثق في أنفسنا وفي حقنا في الحياة الكريمة فوق الأرض وتحت الشمس.
الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وأحياء لدى شعوبهم مخلدون، تتناقل الأجيال مآثرهم وتبقى في مخيلتها صورهم.
للحرية أثمان باهظة ينبغي أن تدفع من دماء الأبطال ومعاناة الشعوب، لكن تحقيقها أمر محتوم طالما وجد مقاومة يحملون في قلوبهم آمال الأمة وتطلعاتها.