دور النخب في النهوض بالوطن
بقلم/ عبدالمجيد قاسم
نعني بالنخب العناصر الوطنية الفاعلة وذات الكفاية في شتى المجالات، السياسية، القانونية، الاقتصادية، الاجتماعية، الفنية، والرياضية وغيرها.
ودور هذه النخب ينبغي أن ينطلق من شعورهم الطبيعي وليس المفتعل بالمواطنة والانتماء إلى الرقعة الجغرافية التي يدركون أن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وذويهم مرتبط بها.
والأمر بهذا الشكل يخرج عما تشعر به بعض النخب من وخزٍ للضمير نتيجة هذا التفكير القطري، فثلةٌ ليست بالقليلة ترى أن دور المثقف العربي ينبغي ألا ينحصر في حدوده القطرية التي هي نتيجة للاستعمار الأوروبي، فالمثقف يجب أن يتحرر من أغلال الماضي، وألا يسلم بالحدود التي فرضها الغرب داخل جسد الأمة، والحقيقة أن المثقف يجب ألا يكون فريسة للمثالية التي قد تحد من خطواته، فالبدء بما هو متاح أفضل من انتظار ما يحتاج إلى طفرة لا تتأتى في عقد أو عقود من الزمن.
فإذا نظرنا إلى واقعنا الليبي فإنَّ الحاجة إلى النخب الوطنية تعظم خاصة في هذه المرحلة التي تقع فيها البلاد بين تيارات الاستقطاب السياسي داخليًّا وخارجيًّا، فقيام النخب بواجبها كل في مجاله من شأنه تسريع العجلة في اتجاه العبور بالبلد إلى مرحلة الاستقرار.
إنَّ واحدةً من معرقلات قيام النخب بدورها نظرتهم التشاؤمية تجاه ما يمكن تحقيقه في ظل الظروف السياسية الحالية للبلد، بما يشهده من انقسام سياسي ومؤسساتي، مما ينبغي معه التأكيد على أن جزءًا من الحل يكمن في رفع وتيرة العمل والبناء، وتكثيف المناشط المجتمعية، وقيام كل فرد بدوره من خلال تخصصه، فالمجتمع وهو الضامن لقيام الدولة، لا يموت إلا بتوقف وظائفه الرئيسة، فإذا استمر في أداء وظائفه التي تضمن له البقاء، فإن تعافي الدولة يبقى مسألة وقت، أيًّا كانت التحديات، ومهما وضعت أمامها العراقيل.
إن كل التجارب الإنسانية تؤكد أن المجتمعات لا تنتهي بالحروب المجردة، ففناؤها يتحتم حينما تتوقف النخب عن التجاوب مع متطلبات وجودها، بل إن كثيرًا من الحروب المدمرة كانت حافزًا للنهوض والبناء؛ كما لو كانت الحرب معول بناء لا هدم، فهي وإن تسببت في هدم المباني والمنشآت، لكنها خلقت روح التحدي، وحفزت غريزة البقاء لدى أبناء المجتمع، فأعطوا ما لم يكن لهم أن يعطوه لو سارت الأمور برتابة الاستقرار والسلام. إن على النخب من مثقفين، وأكاديميين، ومهنيين، وأصحاب فنون، وذوي مواهب، ورجال مجتمع وغيرهم، أن يدركوا مدى مسؤوليتهم تجاه بلدهم؛ كونهم مطالبين بحمايته والذود عن حياضه ليس كجنود يحملون السلاح، وإنما كبناةٍ، يستكملون ما نقص من بنيانه، ويرممون ما طالته يد الزمان فبات مهددًا بالانهيار.