دمعة وبسمة.. ومدن ممكنة
بقلم/ عفاف الفرجاني
في مثل هذه الأيام وقبل سنة عاش الليبيون أكبر كارثة إنسانية بيئية تعيشها دولة في التاريخ الحديث، ذلك الإعصار الذي ضرب مدينة درنة، وجعل سكانها إلى هذا الوقت يعيشون شعورًا بأنهم يقيمون داخل جدران مقبرة كبيرة اختلطت فيها الأجناس والأرواح.
سكان المدينة رغم فاجعتهم ضربوا لنا مثالًا حقيقيًّا للإيمان بقضاء الله وقدره، ليحولوا حزنهم إلى طاقة عمل ومثابرة وصبر، بالتعاون مع صندوق إعادة إعمار درنة الذي بعثت لافتاته الزرقاء أملًا يتحقق لينتشل من تبقى من سكان المدينة من موت نفسي محقق، هذه اللافتات التي تحمل في طياتها رمزية التحدي، وإعادة إحياء مدينة زارها الموت بغتة، كل هذا الأمل جاء من خلال إرادة إنسانية وطنية صادقة.
أنا اليوم في دهشة مما رأيته من صور حية لمشاريع إعادة البناء والتأهيل لمدينة لوهلة مسحت من اليابسة ليزحف عليها الماء ساحبًا معه الحياة لأعداد من الجثث تلاطمتها الأمواج، لتسطر تاريخًا مأساويًّا في يوم العاشر من سبتمبر العام 2023، ما نشهده اليوم دحض أقاويل المغرضين حول التشكيك في إعادة الحياة للمدينة، فملف إعادة إعمار المدن المنكوبة أثار زوبعة إعلامية واسعة، بين المشكك في مصداقية وجدية تنفيذه، وبين المؤمن بإرادة الصندوق.
كانت أول التنبؤات التي شهدها هذا الملف هي محاولة الاستيلاء على المشروعات وإقصاء الطرف الآخر في إعادة هيكلة المدينة، إلا أن الصندوق خالف تمامًا المتوقع، فقد أشرك القطاعات المحلية إلى جانب الأجنبية في هذا الأمر، حتى لا يكون هناك إقصاء وتقصير، هذا أوجد بدوره الدعم المعنوي الذي أعطى لسكان المدينة ليزيد من إرادتهم في بعث الحياة من جديد.
الصندوق اليوم يعمل بجهود جبارة لإعادة بناء المدينة، لتعود إلى سابق عهدها وأفضل، والذي يحدث من إعادة بناء مدينة درنة هو مؤشر حقيقي على استقرار الشرق الليبي، وعلى الرغم مما تعيشه الدولة من تشرذم وانقسام سياسي وتحديات مادية (من قبل مصرف ليبيا المركزي)، فإن السرعة والتفاني والثقة كانت عنوانًا صادقًا لعهد يقدس آدمية الفرد والمجتمع، وينهض بعجلة البناء ليكون في مقدمة ما أنجز المدارس والمستشفيات والوحدات السكنية، والفنادق والملاعب وتأهيل البنية التحتية للمياه والصرف الصحي. ليعكس الصندوق رؤية فعَّالة ومستدامة داخل المناطق المتضررة، مع التأكيد على استمرار هذا الدعم اللامتناهي حتى عودة الحياة إلى طبيعتها في المدينة.