المستعمر المحلي هو من تهمه بطنه فيبيع وطنه
بقلم/ محمد جبريل العرفي
ما حدث للمصرف المركزي كان أحد أهداف احتلال ليبيا، منذ اتضاح النهج التحرري للثورة، أواخر السبعينيات، فكان قطع العلاقات، ومنع دراسة بعض التخصصات، وحظر قطع غيار النفط والطائرات، ثم مواجهات خط الموت 82 والغارة 86 والحصار92، إلى تمكين عملائهم الإسلامويين 2011، لكن ثورة الكرامة عرقلت المخطط، وكادت تقضي عليه، لولا ضحكة الصخيرات التي صنعت أجسامًا اختطفت العملية السياسية، وتم تمتينها بجنيف بتركيبة من الإخوان والمقاتلة والنهابين.
مصرف ليبيا مر بأزمات منذ انهيار أسعار النفط 1984 إلى الحصار 1992- 2003، ولكنه أديربوطنيين، فلم تمس الاحتياجات الأساسية للناس، بل خرجت ليبيا من الأزمتين باحتياطي أكبر واستثمارات أضخم، من هؤلاء الشرفاءالأكفاء النزهاء، المرحوم رجب المسلاتي 1981 والزروق 1987 والزليتني 1990 والجهيمي 1996 ومنيسي 2001 إلى أن انتهت عند بن قدارة 2006 الذي فر في 2011.2.21 وسلم الأسرار إلى أعداء الوطن.
الكبير له تاريخ في تبديل الولاءات وإفلاس المؤسسات، بدأ حياته برئاسة مصرف الأمة (1990 -1999) فنهبه وأفلس به، وعوقب بالسجن في القضية 489/2000، ثم تقرب للجان الثورية ليدير الشركة الخضراء القابضة ويفلس بها، ثم نقل ولاءه إلى سيف الإسلام ليزكيه 2009 مديرًا لمصرفABC.
التقى الصديق (بمتاع شحات) في حفلة شواء بسهل المرج، ليُعين محافظًا 2011.9.26 فالتحم بجماعة الإخوان وأنفق بسخاء على الميليشيات. بعد ثورة الكرامة قفل المقاصة على الشرق، وحرمها من السيولة، وجفف تمويل القوات المسلحة، في 2014.9.14 أقاله مجلس النواب، لكنه استمر (يشوينا) بإجراءاته.
في عهده ارتفع العجز، وتضخم الدين العام، واكتوى المواطن بشح السيولة وتضخم الأسعار، مقابل حصول شلة من المتنفذين على اعتمادات بملايين الدولارات، ليجنوا منها أرباحًا بالمليارات. ليس مصادفة أن نكتشف إحدى العائلات التي تحصلت على اعتمادات بالملايين، هي نفسها التي مكنها المعني من اعتمادات مصرف الأمة في التسعينات، إنها منظومة فساد حولت المجتمع الليبي إلى طبقتين فقط (ثرية ومسحوقة).
استمر الحال إلى أن سعى الكبير إلى فك الحصار المالي على الشرق، فأوعز (الأنجلوساكسون) لرئاسي المقاتلة بإحياء قرار منذ 2018 بتعيين الشكري، واستُعملت الميليشيات لاقتحام المصرف، لكن قفل النفط اضطرهم إلى التراجع والموافقة على محافظ توافقي، فبدأ بازار مجلس الإدارة ليكرر عراب الرشاوي سلوكه بجنيف.
العمالة والنهب وجهان لعملة واحدة، فمن يدعي أنه مدعوم من دول أجنبية، اعترف بعمالته لها والعمل لصالحها، ومنذ مؤتمر برلين 2020تحاول أمريكا تطبيق نظام (مستفيد)، وهي (آليةقصيرة المدى في الجوانب المالية والاقتصادية واستقلال الطاقة)، فلا تعني مدلولها باللغة العربية، بل اختصارًا للحروف الأولى من (Mechanism for Short-Term Financial, Economic, and Energy Dependability)، لوضع عائدات النفط تحت السيطرة الأمريكية، لمراقبة المصروفات، وخاصة نفقات التسليحللضغط على القوات المسلحة، وضمان دعم السياسيين والميليشيات الموالية للأنجلوساكسون، وتقليص نفوذ القوى الأخرى مثل روسيا.
من المفيد أن ننأى بأنفسنا عن الانخراط في أحلاف قد تحوِّل بلادنا إلى ساحة صدام دولية، ولهذا من الحنكة التواصل مع كل الأطراف، وحثها على إقامة علاقات ندية، وإغراؤها بمكاسب اقتصادية وسياسية، وبالتواصل بقنوات رسمية، وبمراسم تتوافق مع حيثيةالليبي، فمستوى رئيس مجلس النواب الليبي هو رئيس مجلس النواب الأمريكي (مايك جونسون) وليس القائم بأعمال وكيلوزارة الخارجية للشؤون السياسية (جون باس)، وألا نُخدع بالمظاهر أو نعاملهم بعقلية بني هلال ونعتمد على مبدأ (خبط لي صدره)، هكذا لقاءات يستعملها الأجانب للتفريغ المخابراتي، شركات العلاقات العامة لا تستعمل إلا في العلاقات المقطوعة مثلما استعملنا (بيلي كارتر) أثناء قطع العلاقات الأمريكية أواخر السبعينيات رغم أنها تحولت إلى (بيليجيت).
ما يسمى بالأطراف السياسية معظمها غير منتخبة اختطفت الحالة الليبية، وتمنع الليبيين من إيجاد حل لأزمتهم، فتتفق جلها في أن مصالحها في استمرار الأزمة، لأنها توفر لهم الفوائد المادية بنهب المال العام، والتربح من التهريب وتجارة المخدرات والبشر، والفوائد المعنوية لأن هناك نكرات جعلتهم الصدف مرموقين.
التاريخ علمنا أن من يحرص على ملء بطنه لا تهمه هموم وطنه، وخاصة المستعد لبيع كل شيء مقابل بقائه في منصبه، فحياة الترف لا تحمي الشرف. وهؤلاء ما نسميهم المستعمر المحلي، لأن الاستعمار الأجنبي مصيره إلى الزوال، مهما طال أمده، لكن استعماربني جلدتنا لا يزاح دون ثورة، التي حتما ستتفجر، إن استمرت هذه الحال، لأن النهب يراكم الثروة، التي تحدث الفروق، فيتولد الغبن، الذي يفجر الثورة، فالحذر من غضب الجياع الذين ليس عندهم ما يفقدون.