إلى ربك منتهاها!
بقلم/ فرج أبوخروبة
قد يسعى الإنسان إلى توظيف ما يملكه من قدرات ومهارات في التعامل مع المواقف الصعبة، التي يعيشها العالم من خلال التغيرات الفجائية في المناخ السياسي، وهو المزاج العام وآراء المجتمع السياسي في وقت معين، يُستخدم عادة لوصف الحالة المزاجية والرأي عندما تكون غير مستقرة بدلًا من أن تكون في حالة توازن، بشكل إيجابي، في جعل المواطن يشعر بالأمان والهدوء والطمأنينة عند اتخاذ القرارات المصيرية، إلا أنه يتراجع فياتخاذها استشعارًامنه بالخوف والقلق والاكتئاب، والمشاكل النفسية، والاجتماعية والمؤثرات التي تحدث نتيجة التقلبات في المزاج العام لدى المجتمعوكيفية التعايش معها كأسلوب حياة، حتى تتحول تدريجيًّا إلى فقدان الثقة، وعدمالقدرة على التركيز على المدى البعيد، مما يؤديسلبًاعلى حياة واستقرار التكتلات والتجمعات البشرية!
وعبر العديد من الدراسات والأبحاث العلمية التي أفادت بأن هناك الكثير من العوامل التي تؤدي إلى حدوث أزمات سياسية، واقتصادية، واجتماعية كبيرة مثل: النزاعات الدولية، والاضطرابات السياسية والتدخلات السافرة في الشؤون الداخلية للدول، وعدم الاستقرار في المنطقة، كما هو الحال مع الوضع في ليبيا بعد أحداث فبراير وتداعياتها السياسية! التي تشهدها البلاد نتيجة الأزمة الخانقة، وعدم وجود إرادة حقيقية في التصدي لها، مع التحديات الأمنية بصورة خاصة، من ثم السياسية، والاقتصادية التي كانت لها انعكاسات سلبية على الشارع الليبي وعجزه التام عن مواجهتها.
عندما تكون الأمور في غير نصابها، والمعايير مقلوبة رأسًا على عقب، وكلٌّ يرى نفسه الحق، وتتصحر العقول، وتجري المياه الضحلة في مسارب وشرايين الأودية وسهولها الفيضية، تنبت الأعشاب الطفيلية في مستنقعات الوحل، تنشر الأوبئة وتنثر نتانتهالتزكم الأنوف، وتعمي البصيرة، وتبسط الشجيرة الشيطانية فروعها وأوراقها لتفترش الأرض خبثًا ونكدًا، وعلقًا وغصة! وفي ظل سعي كل طرف في تعزيز دوره السياسي والعسكري حتى فاقت اللامعقول، تدعمها نرجسية أطراف الصراع الداخلي، وخبث الطرف الأجنبي كحديقة خلفية متواجدة في شكل منظمات حقوقية وخيرية دولية وإقليمية، بدعوى الأخذ بيد السلطات المحلية في البلاد، عن طريق تبني لقاءات ومؤتمرات علمية وتثقيفية خارج الوطن بدعم مجهول المصدر! كما تتبنى دورات تدريبية لفئات منتقاة من المجتمع المدني تحت عناوين ومسميات مختلفة مثل: المنظمات التي تعمل على تشكيل المجتمع المدني.
وتتميز هذه المنظمات بشكل عام بأن الغرض من وجودها لأهداف أخرى غير ربحية، إذ إن لوجودها عدة أسباب تهدف إلى تحقيق مجموعة واسعة متنوعة من المشاريع والأنشطة، وتتراوح المنظمات غير الحكومية من مجموعات الضغط الصغيرة، على سبيل المثال مخاوف بيئية محددة وانتهاكات محددة لحقوق الإنسان، من خلال الجمعيات التربوية التعليمية الخيرية والجمعيات الثقافية وبرامج المساعدة الإنسانية وأغراض أخرى ذات طابع استخباراتي لجر المجتمع المدني وتنويمه تحت تأثير الشعارات السياسية والاجتماعية التي تشكل جزءًا أساسيًّا من المسؤولية الحقوقية الدولية في مجالات متعددة، ومنها على سبيل المثال: مركز الحوار الإنساني الذي أسهمبشكل أساسي في عملية اختيار أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي! ولا نستثني من هذا الدور المشبوه السفارات الأجنبية، التي تصول وتجول دون تدخل مباشر من طرف الدولة، كانتهاك صريح لقواعد القانون الدولي المنظم للعمل الدبلوماسي وفق القانون الدولي التي تتحكم في عمل البعثات الدبلوماسية الدائمة والمؤقتة.
وأحد المفاهيم الأساسية للقانون الدبلوماسي هو مفهوم الحصانة الدبلوماسية الذي يشتق من حصانة الدولة وسيادتها، نراها تمرح سداح مداح دون رادع، تلتقي بالرئيس والوزير، والقادة العسكريين، ورؤساء الحكومات والهيئات، ورجال القضاء، وزعماء القبائل، وحتى الغفير، وكأنهم الآمر الناهي والوصي على دولة مستقلة، وإن كانت تحت طائلة البند السابع، ناهيك عن الولاءات العشائرية التي طغت على المشهد السياسي،وأصبحت هي الأخرى في دائرة النفوذ والصراعات السياسية والاجتماعية، كلٌّ يغني على ليلاه!فصارت البيانات المؤيدة والداعمة، أو الرافضة والمستهجنة لعمل بعينه أو قرار ما، من جهة ما، لا تؤتي أُكلها، وهي تصدح من تحت أسقف مغلقة لا يتجاوز صوتها حيز المكان.
الكلمة الفصل للشارع فهو الرافض والمؤيد وفق إرادة حرة غير مقيدة، من خلال مظاهرات حاشدة، أو اعتصامات عامة لتعلن عن آرائهاوتطلعاتها ببيانات تجد صداها في الداخل والخارج، وتبعث برسائلها الهادفة كمدخلات عن الرغبة في اجتياز الحواجز وتحقيق أمانيها، لعالم يقدر المعنى الحقيقي لتحرك الشعوب المعبرة عن كسر قيودها، بعيدًا عن النعرات القبلية والجهوية والمناطقية والتدليس والالتفاف على الانتصارات وتجييرها لصالحهم والالتحاف بعباءة الحق المبطن، فالوطن يبنى بسواعد أبنائه البررةويهدم بهم أيضًا إذا ما تم توظيفهم بأجندة الطيور الناعقة! وفيما نحن فيه من تيه، في المعايير والازدواجية واختزال المواقف واحتكارها والتمترس خلف الشرعية منتهية الصلاحية تطرح الأسئلة الباحثة عن الإجابة الموضوعية: من يمثل من؟ ومن يرفض من؟ ومن يقاضي من؟ ومن يدين من؟ ومن يعتذر لمن؟ والسؤال الأكبر: هل لنا أن نعلم إلى أين نحن ذاهبون؟أم إلى ربك منتهاها في موقع العلة للإنكار الذي اقتضاه قوله تعالى: “فيم أنت من ذكراها”، ولذلك فصلت، وفي الكلام تقدير مضاف، والمعنى: إلى ربك علم منتهاها.