إضاءات حول عقد النقل الجوي
بقلم/ أسماء الفسي
إن تقدم البشرية وثيق الصلة بأحلامها، فحضارة الإنسان اليوم تدين بالعديد من إنجازاتها إلى أحلام إنسان الأمس وخيالاته، حيث راودت الإنسان منذ الماضي البعيد أحلام السباحة في الفضاء على شاكلة الطير، ونسج بخياله قصصًا تداولتها الأساطير عن محاولات الكثيرين للتحليق في الجو من أمثالهم الفيلسوف “ارشيتاس دي تارنت” في القرن الرابع قبل الميلاد، العالم العربي “أبو القاسم عباس بن فرناس” في القرن الثالث الهجري، و”أبو النصر إسماعيل بن حماد” المعروف بالجوهري في القرن الرابع الهجري، وغيرهم، حيث أثارت هذه المحاولات وغيرها اهتمام علماء القرون الوسطى في القرن الثالث عشر بفكرة إمكانية تحليق الإنسان في الجو منهم: “روجر بيكون” عبر عن إيمانه بإمكانية صنع آلات طائرة لها أجنحة يحركها ذراع فتدفع الهواء على نحو ما يفعل الطير بأجنحته.
وفي القرن الثامن عشر تزايد الاهتمام بالطيران إلى درجة لم يشهدها العالم من قبل، حيث تعاقبت المحاولات في ذلك حتى نجح الأخوان:جوزيف واتيانمونجيلفيه” في ابتكار بالون منفوخ بالهواء الساخن قاما بإطلاقه في سماء بلدة “انوتاي” الفرنسية في الخامس من شهر يونية سنة 1783، وفي الحادي والعشرين من نوفمبر من نفس العام تمكن فرنسيان من التحليق في سماء باريس على متن إحدى بالونات الإخوة مونجليفيه إيذانا ببداية عصر جديد من تاريخ البشرية، وهو عصر غزو الإنسان للجو.
وقد شهدت السنوات التالية من القرن الثامن عشر نجاح العديد من المحاولات المماثلة وأهمها عبور “بلانشار” الفرنسي و”وجيفرز” الإنجليزي للمانش إلى الجزر البريطانية، وقد دفع نجاح هذه المحاولات إلى الشعور بما يتضمنه تحليق البالونات أو أية أجهزة أخرى من خطورة على أرواح الناس، وتنظيميًّا في مجال الملاحة الجوية يحظر صناعة وإطلاق البالونات بدون إذن مسبق.
ولئن كان الفضل في اقتحام الجو يرجع إلى الفرنسيين فإن الطيران بأجهزة أثقل من الهواء يدين بميلاده إلى الإنجليزي “كايلي”، “هنسن”، و”سترنجفلو” الذي تمكن ولأول مرة في تاريخ البشرية من تطيير جهاز أثقل من الهواء بقوة دفع محركة، ثم تمكن الأخوان “رايت” من التحليق بطائرتهما على ارتفاع مئة متر، وظلا محلقين لأكثر من ساعة على التوالي، ومنذ ذلك التاريخ انفتح الباب على مصراعيه أمام الطيران، وتقدمت وسائله وفنونه بسرعة مذهلة، ومازال الطيران تحت إلحاح المنافسة الدولية يتطور يومًا بعد يوم، كذلك فقد تعددت مجالاته وتنوعت استخداماته وانعكست آثاره على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ذلك أن النقل الجوي بصفة عامة يتميز بميزات جعلت له أهمية بالغة تفوق أهمية وسائل النقل الأخرى من حيث حداثة وجدة أنماط النقل وأسرعها وأكثرها مرونة من وسائل النقل الأخرى، ذلك لاستخدمه أكثر الوسائل تكنولوجيةً، وكذلك يتميز بسرعة الوصول إلى الأماكن التي لا تستطيع أن تصل إليها وسائل النقل الأخرى، كما أن متغيرات العصر وماطرأ على وسائل النقل من تطورات ومتغيرات بسبب التطور التقني يعد أمرًا مهمًّا في تغير كثير من أنماط حياة البشر وجعلهم يعرفون تعاملات لم يسبق لهم أن تعاملوا بها، وذلك ما أصبح يشكل جزءًا مهمًّا في حياتهم وتعاملاتهم ألا وهو النقل الجوي.