سياسة “الختل”!
بقلم/ مصطفى الزائدي
سياسة “الختل”! الختل تعبير ليبي شائع، يستخدم عند وصف محاولة تحايل أو خداع أو تمويه لتحقيق شيء معين، فالختل بعض خداع وبعض تحايل وبعض نفاق وبعض تمويه وبعض تلاعب بالألفاظ، لكن أيًّا من تلك التعابير منفردة لا تعبر عن معنى “الختل”.
ما دعاني إلى الحديث عن هذا المصطلح هو “الختل” المتبادل والمتواصل بين الأطراف الليبية خلال ما سمي العملية السياسية في ليبيا وما يدور في الحوارات المختلفة والمشروعات الصورية للمصالحة، والذي يمكن وصفه فقط بـ”الختل”، ففي كل المحاولات التي جرت طيلة 13 عامًا يحاول كل طرف أن يختل الأطراف الأخرى دون تحقيق نتائج.
فيما يسمى العملية السياسية في ليبيا له أبعاد محلية ودولية، كل طرف من الأطراف يعمل جاهدًا ليس للبحث في الأزمة ومخارجها، لكن فقط في كيفية ختل الأطراف الأخرى بشكل أو آخر لتحقيق مصالحه الخاصة وإقصاء الآخرين.
السؤال، هل يمكن أن تحقق عملية سياسية تقوم فقط على “الختل” أي انفراج للأزمة السياسية الحادة في ليبيا؟
أتصور أن السنوات الماضية قطعت الشك باليقين، فالأزمة تتعمق وتتعقد وآثارها المدمرة تتعاظم. السؤال الثاني، هل يمكن أن يبتدع الليبيون عملية سياسية بعيدة عن “الختل”؟
تجربة الأربع عشرة سنة الماضية تعطي إجابة قطعية بالنفي.
وهنا يبرز السؤال المهم، كيف يمكن البحث في حلول جادة ووسائل فعاله وطرق ناجحة لمعالجة الأزمة؟
الإجابة عن هذا السؤال فيها قولان، قول يرى إمكانية ذلك، بل يقطع بأن لا مجال للخروج من الأزمة الليبية إلا بعملية سياسية وفق اشتراطات موضوعية، ومن خلال آليات واقعية، والقول الآخر يقول إن نجاح أي عملية سياسية يتطلب أولًا تحييد الأطراف التي مارست في السنوات الماضية العبث السياسي، وأسهمت في خلق الأزمة وتعميقها وعرقلة محاولات البحث في حلول لها، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال وسائل قادرة على أن تضع تلك الأطراف جانبًا وتتيح مجالًا لليبيين بأن يعالجوا أزمتهم لأنها ليست عصية على الحل، هذا الإجراء الحاسم يتطلب قوة فاعلة سواء أكانت عسكرية أم سياسية أم مجتمعية محلية أم قوة دولية محايدة تهتم فعلًا بمصالح الشعب الليبي، وترى أن استقرار ليبيا أمر مهم للإقليم والمنطقة، وهنا تبرز ضرورة الانتباه إلى خدعة الحلول السياسية التي تطرحها الدول الغربية المهيمنة على العالم، والتي قلنا مرارًا وتكرارًا إنها فقط تعمل لإدارة الأزمة وليس حلها.
ولا يمكن الترويج لتفاؤل خادع بشأن أطروحات الحوارات السياسية، فمنذ الحوار الأول الذي رعاه أمير قطر عام 2012 لم تر ليبيا سبيلًا إلى الاستقرار، ولقد تطورت الأزمة مع الثاني الذي قاده اللبناني طارق متري والسفيرة الأمريكية ديبورا والذي كان الشرر لما عرف بحرب فجر ليبيا، وأسهم في انتشار الفكر التكفيري وسيطرة الدواعش على مدن ليبية مهمة في مناطق عديدة من الشرق والغرب والجنوب، أما حوار ليون الطويل الذي ختمه في الصخيرات والذي أسس فعليًّا لتقسيم الدولة الليبية إلى قسمين حتى وإن كان تحت شعار حكومة وفاق وطني ثم أكمل حوار غسان سلامة ستيفاني مشروع التقسم وقاد إلى حرب أخرى كانت أكثر شراسة وجاء بحكومة جهوية أو عائلية في حقيقة الأمر، وصارت سلطة أمر واقع مستمرة.
وهنا يمكنني الاستشهاد بما قاله رئيس الحكومة يوم 11/10/2024 في لقائه بالرئيس الموريتاني بأنه سيسلم السلطة طوعًا فقط إلى حكومة منتخبة وفق دستور متفق عليه!! وهذا كلام في ظاهره جميل، لكنه غير معقول كما يقول إخوتنا السودانيون، فهو يبين أنه من المستحيل أن يسلم السلطة في زمن منظور، فلا يمكن تحقيق شروطه في ظل أزمة وانقسام وتدخل دولي معادٍ في أغلبه وانتشار مرعب للسلاح!
فلا يمكن الحديث عن دستور يتوافق عليه كل الليبيين، فالدستور يمكن صياغته والتوافق عليه في زمن الاستقرار وليس أثناء الصراع، فهو يضمن الاستقرار ويديمه، ومن هنا نسف السيد رئيس الحكومة فكرة إجراء انتخابات باشتراط وجود دستور دائم، وحتى إن تحقق هذا الشرط فالكل مدرك لاستحالة إجراء انتخابات حقيقية، فلمدة عشر سنوات لم تجرَ الانتخابات رغم قرارات مجلس الأمن وتوصيات مئات المؤتمرات المحلية والدولية، ببساطة كل طرف يريد انتخابات على مقاسه يتمكن من خلالها ويقصي كل الأطراف الأخرى!
المخرج ظهور طرف محلي جديد غير محسوب على الأطراف المتصارعة وغير مرتبط بالأطراف الدولية المتداخلة، يمكن أن تشكل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والنخب الليبية من المثقفين والقانونيين والأكاديميين أساسًا متينًا له!