الإفلات من العقاب بين المافيا واللحاف الأجنبي
بقلم/ محمد جبريل العرفي
أول علامات انهيار الدولة هو الإفلات من العقاب، وانتهاك القانون، وخاصة إذا تم توظيفه لتحقيق أهداف سياسية ومصالح شخصية.
الغرب الليبي تحكمه عصابة “مافيا” للنهب تديرها عائلة “الدبيباتشيلد”، تتزلف للأجانب للالتحاف بعباءة الأجنبي، توجد علاقة بين اغتيال عبدالرحمن ميلاد (البيدجا) والقبض على العتري، وقائمة الشقاقي ورفاقه الخمسة المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية، والإعلان عن مائة آخرين قيد جمع الاستدلالات.
المرحوم عبدالرحمن اغتيل لأنه بدأ ينشق عن المافيا، ويبني في نواة لقوات مسلحة نظامية، وبدأ يحارب في تجارة المخدرات، وخاصة ما يقوم به الأتراك في محيط قاعدة عقبة، وشكل قاعدة شعبية بمنطقته بدعم الفقراء والمحتاجين وإنصاف المظلومين، تواصلت معه الجنايات الدولية، لتزويدهم بمعلومات عن تجارة المخدرات وتهريب البشر، والتي ستفضح المافيا الإيطالية والتركية والليبية، فتم توظيف بحرون (الفأر) لاغتياله، ليضربوا ثلاثة عصافير بحجر واحد، وهي إسكات صوت قد يقدم أدلة تدينهم، وإطلاق يد الأتراك في إفساد شباب المنطقة بالمخدرات، وخلق فتنة داخل الزاوية، نفس المافيا هرّبت القاتل من قبضة النائب العام فأفلت من العقاب، مثلما حدث مع (باسكوبار) إفريقيا، الطبيب الذي امتهن تهريب المخدرات، ووصلت درجة نفوذه العالمية أنه يتحكم في أسعار المخدرات في العالم، ويدخل مطارات دولية دون ختم جوازه. عام 1997 تمكن جهاز مكافحة الزندقة والمخدرات من معرفة موعد رحلة له من المغرب فقُبض عليه في مطار القاهرة واستُجلِب لليبيا، لكنه هرب من سجن الجديدة إلى المغرب بتقرير إعفاء مزور، استعانت به ليبيا ليدلها على طرق ممرات الزنادقة عبر الصحراء، في 2011 تبرع للمنشف الانتقالي بستين مليون دينار، تحت اسم رجل أعمال ليبي مقيم في المغرب، وشكل ميليشيا، ثم قام بتهريب المعتقل عبدالله السنوسي من مالي وإخفائه في مزرعة عمه بالمغرب، دون أن تعلم السلطات المغربية، ثم سلمته المغرب بعد قضائه محكوميته، ليتم تهريبه من السجون الليبية، فمن يعرف أين عبدالرحيم صاكال الآن؟ لقد أفلت من العقاب.
عندما بدأ الصراع بين مافيات النهب بالغرب الليبي، ووصل الأمر إلى الحشود العسكرية والتهديد بالاقتتال، بدأ (الدبيباتشيلد) في البحث عن عدو مشترك يوحد هذه المافيات، ولهذا أرسل نائب رئيس مجلس الدولة للقاء سيف الإسلام في مقر إقامته الجبرية بالزنتان، لكنه فشل في المهمة، فأرسل بعدها وفدًا من أربعة أعضاء معظمهم من مصراتة لمقابلته بالزنتان، فاستنتجوا أن سيف يعيش في وهم، فاضطر (الدبيباتشيلد) إلى ترتيب عملية القبض على العجمي ليحقق بها عدة أهداف، أولها التغطية على تهريب الفأر، ولجس نبض القوة التي تحمي سيف ويحتمي بها، تمهيدًا لإسناد مهمة حراسته للكتيبة 555 التابعة للواء 444 أي المقاتلة التي ينتمي إليها الرئاسي، والثالث إشعال حرب بين مكونات الجبل، لأن الحرب هي الوسيلة التي تطيل أمد بقاء (الدبيباتشيلد) في السلطة.
(الدبيباتشيلد) مستميت على جلب سيف الإسلام إلى طرابلس لدرجة أنه جهز طائرة وعرض أموالًا على قائد الميليشيا التي احتجزت العتري، لكن حكمة شيوخ الجبل تغلبت على أطماع (الدبيباتشيلد) الذي كان ينوي استخدام سيف بعبعًا يوحد الخصوم، أو ليزين به صورته أمام الغرب ويسلمه للجنايات الدولية كالمريمي، رغم كل هذه النوايا والشواهد والممارسات يتمادى تيار سيف في التودد إلى عدوهم، وينسقون معه ويرددون خطابه، ويناصبون العداء للتيار الوطني الداعم لمشروع القوات المسلحة العربية الليبية، هؤلاء ينطبق عليهم المثل الشعبي: “من عامي الله ضوه يدير صاحبه هو عدوه”.
المقاطع المرئية عن الاعترافات التي تم انتزاعها، بعد تفتيش هاتف مشارك في مظاهرة بطرابلس، لا ندري أن بثها عن غباء أم قصد، فقد قدمت خدمة، لأن طرد القوات التركية هدف وطني، ومطلب شعبي، الأمن أداة لإنفاذ القانون وليس لتحقيق رغبات الإدارة.
قائمة الشقاقي ورفاقه للتغطية على قائمة المائة التي سيزج فيها بأسماء خصومهم، ولإظهار أن المحكمة ليست منحازة لطرف ضد طرف، رغم أن الجنايات الدولية، مثلما صرح كريم خان، المدعي العام بأن قادة أوروبيين أبلغوه بأنها أنشئت ضد الأفارقة والآن بوتين، وهذه حقيقة (الله يرحم من أفصح عنها منذ إنشاء المحكمة ورفض الانضمام إليها)، من أهم قواعد خوض المعارك السياسية، فرز الأعداء وحلفائهم، وتحديد الأهداف النهائية للعدو، لتفسير الخطوات الوسيطة التي يتخذها العدو للوصول إلى غايته النهائية وتحقيق أهدافه الاستراتيجية، المهم ربط الأحداث ببعضها مهما كان حدثًا صغيرًا، تقوم به مجموعة مغمورة، فبتجميع تلك الفسيفساء تكتمل وتتضح الصورة، فقد صدق حسني البرزان عندما كرر عبارة “إذا أردت أن تعرف ما في روما فعليك أن تعرف ما في البرازيل”، تلك عبارة تعبر عن قاعدة سياسية، بتوظيفها ندرك العلاقة بين أحداث تظهر سطحيًا أنها منفصلة بينما في حقيقتها هي متصلة، بمنتج واحد ومخرج واحد وفريق كومبارس واحد.